22

دروس‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية الاستعداد قبل‭ ‬المعركة

د‭. ‬إبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬سعود‭ ‬الجنابي (‬واعظ‭ ‬بمديرية‭ ‬التوجيه‭ ‬المعنوي‭(‬
كان‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جيشه‭ ‬مستعداً‭ ‬للقتال‭ ‬ومواجهة‭ ‬الأعداء‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬الوجوه،‭ ‬ويبدأ‭ ‬هذا‭ ‬الاستعداد‭ ‬بغرس‭ ‬الإيمان‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الجنود،‭ ‬ثم‭ ‬بتحضيرهم‭ ‬للمعركة‭ ‬نفسياً‭ ‬وبدنياً‭ ‬ومادياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تهيئة‭ ‬جميع‭ ‬أسباب‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬والعتاد‭ ‬ووضع‭ ‬الخطط‭ ‬العسكرية‭.‬

ومن‭ ‬المواقف‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬ذلك،‭ ‬موقفه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬أحد،‭ ‬حين‭ ‬بلغت‭ ‬الأخبار‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬بأن‭ ‬الأعداء‭ ‬من‭ ‬كفار‭ ‬قريش‭ ‬قد‭ ‬تحركوا‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬قاصدين‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬بقصد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬واسترداد‭ ‬هيبتهم‭ ‬المستباحة‭ ‬يوم‭ ‬بدر‭.‬
حين‭ ‬ذاك،‭ ‬بدأ‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬وردع‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬واحة‭ ‬الإيمان‭ ‬طيبة‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭.‬
فكان‭ ‬أول‭ ‬الاستعداد‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬جمع‭ ‬الصحابة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬وأخذ‭ ‬يستشيرهم‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬القتال‭.‬
فلما‭ ‬أبدوا‭ ‬استعدادهم،‭ ‬استنفرهم‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬رأي‭ ‬الأغلبية‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬القتال‭ ‬قبل‭ ‬وصول‭ ‬الأعداء‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭.‬
ثم‭ ‬استعرض‭ ‬أصحابه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم،‭ ‬فكان‭ ‬يقبل‭ ‬منهم‭ ‬مَنْ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬القوة‭ ‬والبسالة‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬ويرد‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬القتال،‭ ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬جانب‭ ‬الاستعداد‭ ‬البدني‭ ‬في‭ ‬المقاتلين،‭ ‬فلا‭ ‬يخوض‭ ‬المعركة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬مستعد‭ ‬لها‭ ‬تمام‭ ‬الاستعداد‭.‬
ثم‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬وسبق‭ ‬الأعداء‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬فأعدَّ‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬ووضع‭ ‬خطته‭ ‬المحكمة‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬له‭ ‬النصر‭ ‬حينما‭ ‬تم‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬وصارت‭ ‬الغنائم‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يأخذها‭.‬
وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬تضييق‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬على‭ ‬العدو،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬جيش‭ ‬الأعداء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬جيش‭ ‬المسلمين‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬الرماة‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬صن‭ ‬خلال‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬أحد‭ ‬وحماية‭ ‬ظهر‭ ‬الجيش‭ ‬بجبل‭ ‬أحد،‭ ‬ثم‭ ‬وضع‭ ‬الرماة‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬صغير‭ ‬يمنع‭ ‬الأعداء‭ ‬من‭ ‬الالتفاف‭ ‬خلف‭ ‬جيش‭ ‬المسلمن‭.‬
ومن‭ ‬دروس‭ ‬الاستعداد،‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬المسلمون‭ ‬يوم‭ ‬الأحزاب،‭ ‬حين‭ ‬أمرهم‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬بحفر‭ ‬الخندق‭ ‬لمنع‭ ‬جيش‭ ‬الأعداء‭ ‬من‭ ‬اقتحام‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وإهلاك‭ ‬الحرث‭ ‬والنسل‭.‬
ومن‭ ‬الاستعداد‭ ‬الحرض‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬القتالية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلـم‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬الجاهزية‭ ‬القتالية،‭ ‬ولأجل‭ ‬هذا‭ ‬يختبر‭ ‬القوة‭ ‬البدنية‭ ‬برياضة‭ ‬المصارعة،‭ ‬ويختبر‭ ‬تقنية‭ ‬استعمال‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرماية‭ ‬والمبارزة‭.‬
ومن‭ ‬الاستعداد‭ ‬معرفة‭ ‬أخبار‭ ‬الأعداء‭ ‬وأحوالهم‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬الاستعداد‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬التحدي،‭ ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬يبعث‭ ‬العيون‭ ‬والجواسيس‭ ‬الذين‭ ‬يستطلعون‭ ‬المعلومات‭ ‬العسكرية‭ ‬عن‭ ‬العدو‭.‬
ومن‭ ‬الاستعداد‭ ‬رفع‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬للمقاتلين،‭ ‬وتذكيرهم‭ ‬بالأهداف‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يقصدونها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القتال،‭ ‬وهو‭ ‬إعلاء‭ ‬كلمة‭ ‬الحق‭ ‬والعدل‭ ‬كلمة‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلالـه،‭ ‬ونصر‭ ‬المستضعفين،‭ ‬وردع‭ ‬العدوان‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأمن‭. ‬قال‭ ‬تعالى‭ (‬وَمَا‭ ‬لَكُمْ‭ ‬لَا‭ ‬تُقَاتِلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَالْمُسْتَضْعَفِينَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الرِّجَالِ‭ ‬وَالنِّسَاءِ‭ ‬وَالْوِلْدَانِ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يَقُولُونَ‭ ‬رَبَّنَا‭ ‬أَخْرِجْنَا‭ ‬مِنْ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الْقَرْيَةِ‭ ‬الظَّالِمِ‭ ‬أَهْلُهَا‭ ‬وَاجْعَلْ‭ ‬لَنَا‭ ‬مِنْ‭ ‬لَدُنْكَ‭ ‬وَلِيًّا‭ ‬وَاجْعَلْ‭ ‬لَنَا‭ ‬مِنْ‭ ‬لَدُنْكَ‭ ‬نَصِيرًا‭ (‬75‭) ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬يُقَاتِلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬كَفَرُوا‭ ‬يُقَاتِلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬الطَّاغُوتِ‭ ‬فَقَاتِلُوا‭ ‬أَوْلِيَاءَ‭ ‬الشَّيْطَانِ‭ ‬إِنَّ‭ ‬كَيْدَ‭ ‬الشَّيْطَانِ‭ ‬كَانَ‭ ‬ضَعِيفًا‭ (‬76‭) ‬سورة‭ ‬النساء‭.‬
ومن‭ ‬ذلك‭ ‬وعظهم‭ ‬وتذكيرهم‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬الإخلاص‭ ‬والصدق‭ ‬والثبات،‭ ‬وترغيبهم‭ ‬بالثواب‭ ‬العظيم‭ ‬والنعيم‭ ‬المقيم‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرهم‭ ‬إن‭ ‬أكرمهم‭ ‬الله‭ ‬بالشهادة‭ ‬والإصابة،‭ ‬وتحقق‭ ‬العزة‭ ‬والنصر‭ ‬إن‭ ‬أكرمهم‭ ‬الله‭ ‬بالانتصار‭.‬
ومن‭ ‬أعظم‭ ‬أسباب‭ ‬الاستعداد‭ ‬التوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬والاستعانة‭ ‬به‭ ‬فهو‭ ‬الناصر‭ ‬والحافظ‭ ‬والموفق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬
قال‭ ‬تعالى‭: ‬فَإِذَا‭ ‬عَزَمْتَ‭ ‬فَتَوَكَّلْ‭ ‬عَلَى‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الْمُتَوَكِّلِينَ‭ (‬159‭) ‬إِنْ‭ ‬يَنْصُرْكُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬فَلَا‭ ‬غَالِبَ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬وَإِنْ‭ ‬يَخْذُلْكُمْ‭ ‬فَمَنْ‭ ‬ذَا‭ ‬الَّذِي‭ ‬يَنْصُرُكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬بَعْدِهِ‭ ‬وَعَلَى‭ ‬اللَّهِ‭ ‬فَلْيَتَوَكَّلِ‭ ‬الْمُؤْمِنُونَ‭ (‬160‭) ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭. ‬

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض