0001

الملك‭ ‬القائد‮.. معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان

صاحب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وراوي‭ ‬أحاديثه،‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬وخالهم،‭ ‬أول‭ ‬ملوك‭ ‬الإسلام‭ ‬وخيرهم،‭ ‬كاتب‭ ‬الوحي،‭ ‬الداهية‭ ‬الحليم،‭ ‬العاقل‭ ‬الحكيم،‭ ‬العالم‭ ‬الفقيه،‭ ‬العفو‭ ‬القوي،‭ ‬المتواضع‭ ‬الورع،‭ ‬الجواد‭ ‬الكريم،‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬غزا‭ ‬البحر،‭ ‬كنيته‭ ‬أبو‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬واسمه‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬صخر‭ ‬بن‭ ‬حرب‭ ‬بن‭ ‬أمية‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬شمس‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬مناف‭ ‬بن‭ ‬قصي‭ ‬الأموي‭ ‬القرشي‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬صحابة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومن‭ ‬تبعهم‭ ‬بإحسان‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭.‬

كان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أميراً‭ ‬حليماً‭ ‬من‭ ‬أمراء‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وملكاً‭ ‬خَيِّراً‭ ‬من‭ ‬ملوك‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقائداً‭ ‬حكيماً‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬مدرسة‭ ‬رسول‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬وهذه‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭:‬

1‭ ‬ القائد‭ ‬العالم‭ ‬الفقيه‭:‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬عالماً‭ ‬فقيهاً‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والتعليم‭ ‬واتباع‭ ‬سنة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أخص‭ ‬كُتَّاب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وألزمهم‭ ‬له،‭ ‬وروى‭ ‬عنه‭ ‬أحاديث‭ ‬كثيرة‭ ‬أحصيت‭ ‬بمائة‭ ‬وثلاثة‭ ‬وستين‭ ‬حديثاً،‭ ‬وشهد‭ ‬له‭ ‬الصحابة‭ ‬بالعلم‭ ‬والفقه،‭ ‬فقد‭ ‬قيل‭ ‬لابن‭ ‬عباس‭: ‬‮«‬هل‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬معاوية،‭ ‬فإنه‭ ‬ما‭ ‬أوتر‭ ‬إلا‭ ‬بواحدة؟‭ ‬قال‭: ‬أصاب،‭ ‬إنه‭ ‬فقيه‮»‬‭ (‬البخاري‭: ‬3765‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬تلقي‭ ‬العلم،‭ ‬فقد‭ ‬روي‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬إلى‭ ‬المغيرة‭ ‬بن‭ ‬شعبة‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬اكتب‭ ‬إلي‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭ ‬خلف‭ ‬الصلاة‮»‬،‭ ‬فأملى‭ ‬المغيرة‭ ‬مولاه‭ ‬وراد‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬سمعت‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭ ‬خلف‭ ‬الصلاة‭: ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له،‭ ‬اللهم‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬لما‭ ‬أعطيت،‭ ‬ولا‭ ‬معطي‭ ‬لما‭ ‬منعت،‭ ‬ولا‭ ‬ينفع‭ ‬ذا‭ ‬الجد‭ ‬منك‭ ‬الجد‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬وراد‭: ‬ثم‭ ‬وفدت‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬معاوية،‭ ‬فسمعته‭: ‬يأمر‭ ‬الناس‭ ‬بذلك‭ ‬القول‭ (‬البخاري‭: ‬6615‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬السنة‭ ‬والاهتداء‭ ‬بهدي‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقد‭ ‬روي‭ ‬أن‭ ‬معاوية‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬مكة‭ ‬سأل‭ ‬ابن‭ ‬عمر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أبا‭ ‬عبدالرحمن،‭ ‬أين‭ ‬صلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عام‭ ‬دخلها؟‭ ‬قال‭: ‬بين‭ ‬العمودين‭ ‬المقدمين‭ ‬اجعل‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الجدر‭ ‬ذراعين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثاً‮»‬‭ (‬أخبار‭ ‬مكة‭ ‬للأزرقي‭: ‬1‭/‬270‭-‬271‭)‬،‭ ‬وعن‭ ‬حميد‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬معاوية‭ ‬سمع‭ ‬معاوية‭ ‬يقول‭ ‬بالمدينة‭ ‬على‭ ‬منبر‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أين‭ ‬علماؤكم‭ ‬يا‭ ‬أهل‭ ‬المدينة؟‭ ‬سمعت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬من‭ ‬شاء‭ ‬منكم‭ ‬أن‭ ‬يصومه‭ ‬فليصمه،‭ ‬وسمعت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ينهى‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذا،‭ ‬وأخرج‭ ‬قصة‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬من‭ ‬كمه‭ ‬فقال‭: ‬إنما‭ ‬هلكت‭ ‬بنو‭ ‬إسرائيل‭ ‬حين‭ ‬اتخذتها‭ ‬نساؤهم‮»‬‭ (‬مسند‭ ‬أحمد‭: ‬16891‭).‬

2‭ ‬ القائد‭ ‬الحليم‭ ‬العفو‭:‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬حليماً‭ ‬عفواً،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يضرب‭ ‬به‭ ‬المثل‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬والعفو‭ ‬وكظم‭ ‬الغيظ‭ ‬والإحسان‭ ‬إلى‭ ‬المسيء،‭ ‬فيروى‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬أسمع‭ ‬معاوية‭ ‬كلاماً‭ ‬شديداً،‭ ‬فقيل‭ ‬له‭: ‬لو‭ ‬سطوت‭ ‬عليه،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إني‭ ‬لأستحيي‭ ‬أن‭ ‬يضيق‭ ‬حلمي‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬رعيتي‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬رواية‭: ‬قال‭ ‬له‭ ‬رجل‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ما‭ ‬أحلمك‭! ‬فقال‭: ‬‮«‬إني‭ ‬لأستحيي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جرم‭ ‬رجل‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬حلمي‮»‬،‭ ‬ويروى‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬قال‭ ‬لمعاوية‭: ‬ما‭ ‬رأيت‭ ‬أنذل‭ ‬منك،‭ ‬فقال‭ ‬معاوية‭: ‬‮«‬بلى،‭ ‬من‭ ‬واجه‭ ‬الرجال‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‮»‬،‭ ‬ويروى‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬يدعى‭ ‬أبا‭ ‬جهم‭ ‬جرى‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬معاوية‭ ‬كلام،‭ ‬فتكلم‭ ‬أبو‭ ‬الجهم‭ ‬بكلام‭ ‬فيه‭ ‬غم‭ ‬لمعاوية،‭ ‬فأطرق،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬رأسه‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أبا‭ ‬الجهم،‭ ‬إياك‭ ‬والسلطان،‭ ‬فإنه‭ ‬يغضب‭ ‬غضب‭ ‬الصبيان،‭ ‬ويأخذ‭ ‬أخذ‭ ‬الأسد،‭ ‬وإن‭ ‬قليله‭ ‬يغلب‭ ‬كثير‭ ‬الناس‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬بمال،‭ ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬الجهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يمدح‭ ‬معاوية‭:‬

نميل‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬كأنا

                 إذا‭ ‬ملنا‭ ‬نميل‭ ‬على‭ ‬أبينا

نقلبــــه‭ ‬لنخـ بر‭ ‬حالتيه

                 فنخبر‭ ‬منهما‭ ‬كرماً‭ ‬ولينا

وقد‭ ‬شهد‭ ‬لمعاوية‭ ‬بالحلم‭ ‬خلق‭ ‬كثير،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عبدالملك‭ ‬بن‭ ‬مروان‭: ‬‮«‬ما‭ ‬رأيت‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬حلمه‭ ‬واحتماله‭ ‬وكرمه‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬قبيصة‭ ‬بن‭ ‬جابر‭: ‬‮«‬ما‭ ‬رأيت‭ ‬أحداً‭ ‬أعظم‭ ‬حلماً،‭ ‬ولا‭ ‬أكثر‭ ‬سؤدداً،‭ ‬ولا‭ ‬أبعد‭ ‬أناةً،‭ ‬ولا‭ ‬ألين‭ ‬مخرجاً،‭ ‬ولا‭ ‬أرحب‭ ‬باعاً‭ ‬بالمعروف‭ ‬من‭ ‬معاوية‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬الزبير‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭: ‬‮«‬لله‭ ‬در‭ ‬ابن‭ ‬هند،‭ ‬والله‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬لنفرقه‭ – ‬وما‭ ‬الليث‭ ‬على‭ ‬براثنه‭ ‬بأجرأ‭ ‬منه‭ – ‬فيتفارق‭ ‬لنا،‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬لنخدعه‭ – ‬وما‭ ‬ابن‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬بأدهى‭ ‬منه‭ – ‬فيتخادع‭ ‬لنا،‭ ‬والله‭ ‬لوددت‭ ‬أنا‭ ‬متعنا‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬حجر‮»‬،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬قبيس،‭ ‬وقال‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭: ‬‮«‬قد‭ ‬علمت‭ ‬بم‭ ‬غلب‭ ‬معاوية‭ ‬الناس،‭ ‬كانوا‭ ‬إذا‭ ‬طاروا‭ ‬وقع،‭ ‬وإذا‭ ‬وقعوا‭ ‬طار‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يوصي‭ ‬بالحلم‭ ‬ويحث‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬روي‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬أخته‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬أم‭ ‬الحكم‭ ‬قال‭ ‬لمعاوية‭: ‬إن‭ ‬فلاناً‭ ‬يشتمني،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬تطأطأ‭ ‬لها‭ ‬تمر‭ ‬فتجاوزك‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬معاوية‭: ‬‮«‬يا‭ ‬بني‭ ‬أمية،‭ ‬قاربوا‭ ‬قريشاً‭ ‬بالحلم،‭ ‬فوالله‭ ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬ألقى‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬فيوسعني‭ ‬شتماً‭ ‬وأوسعه‭ ‬حلماً،‭ ‬فأرجع‭ ‬وهو‭ ‬لي‭ ‬صديق،‭ ‬أستنجده‭ ‬فينجدني،‭ ‬وأثور‭ ‬به‭ ‬فيثور‭ ‬معي،‭ ‬وما‭ ‬رفع‭ ‬الحلم‭ ‬عن‭ ‬شريف‭ ‬شرفه،‭ ‬ولا‭ ‬زاده‭ ‬إلا‭ ‬كرماً‮»‬،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يبلغ‭ ‬الرجل‭ ‬مبلغ‭ ‬الرأي‭ ‬حتى‭ ‬يغلب‭ ‬حلمه‭ ‬جهله،‭ ‬وصبره‭ ‬شهوته،‭ ‬ولا‭ ‬يبلغ‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بقوة‭ ‬الحلم‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬رجل‭ ‬لمعاوية‭: ‬من‭ ‬أسود‭ ‬الناس‭- ‬أي‭: ‬أكثرهُم‭ ‬سيادة‭-‬؟‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬أسخاهم‭ ‬نفساً‭ ‬حين‭ ‬يسأل،‭ ‬وأحسنهم‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬خلقاً،‭ ‬وأحلمهم‭ ‬حين‭ ‬يستجهل‮«‬‭ (‬ينظر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬البداية‭ ‬والنهاية‭: ‬11‭/‬439‭-‬443‭)‬،‭ ‬هكذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬معاوية‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬ساد‭ ‬الناس‭ ‬بحلمه‭ ‬وخلقه‭ ‬العظيم،‭ ‬وثبت‭ ‬أركان‭ ‬حكمه‭ ‬بعفوه‭ ‬وإحسانه‭ ‬الكبير‭.‬

3‭ ‬ القائد‭ ‬الداهية‭ ‬الفطن‭:‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عاقلاً‭ ‬داهيةً‭ ‬ذكياً‭ ‬فطناً،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬له‭ ‬أئمة‭ ‬الإسلام‭ ‬بالدهاء‭ ‬والعقل‭ ‬وحسن‭ ‬السياسة،‭ ‬فيروى‭ ‬عن‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬تذكرون‭ ‬كسرى‭ ‬وقيصر‭ ‬ودهاءهما‭ ‬وعندكم‭ ‬معاوية‮»‬‭ (‬تاريخ‭ ‬الطبري‭: ‬5‭/‬330‭)‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬محمد‭ ‬الأموي‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬خرج‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬إلى‭ ‬الشام،‭ ‬فرأى‭ ‬معاوية‭ ‬في‭ ‬موكب‭ ‬يتلقاه،‭ ‬وراح‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬موكب،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬عمر‭: ‬يا‭ ‬معاوية،‭ ‬تروح‭ ‬في‭ ‬موكب‭ ‬وتغدو‭ ‬في‭ ‬مثله،‭ ‬وبلغني‭ ‬أنك‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬منزلك‭ ‬وذوو‭ ‬الحاجات‭ ‬ببابك،‭ ‬قال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬إن‭ ‬العدو‭ ‬بها‭ ‬قريب‭ ‬منا،‭ ‬ولهم‭ ‬عيون‭ ‬وجواسيس،‭ ‬فأردت‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬للإسلام‭ ‬عِزًّا،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬عمر‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬لكيد‭ ‬رجل‭ ‬لبيب،‭ ‬أو‭ ‬خدعة‭ ‬رجل‭ ‬أريب،‭ ‬فقال‭ ‬معاوية‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬مرني‭ ‬بما‭ ‬شئت‭ ‬أصر‭ ‬إليه،‭ ‬قال‭: ‬ويحك،‭ ‬ما‭ ‬ناظرتك‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬أعيب‭ ‬عليك‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬تركتني‭ ‬ما‭ ‬أدري‭ ‬آمرك‭ ‬أم‭ ‬أنهاك‮»‬‭ (‬تاريخ‭ ‬الطبري‭: ‬5‭/‬331‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬الذهبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬معاوية‭: ‬‮«‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬ساد‭ ‬وساس‭ ‬العالم‭ ‬بكمال‭ ‬عقله،‭ ‬وفرط‭ ‬حلمه،‭ ‬وسعة‭ ‬نفسه،‭ ‬وقوة‭ ‬دهائه‭ ‬ورأيه‮»‬‭ (‬سير‭ ‬أعلام‭ ‬النبلاء‭: ‬3‭/‬133‭).‬

4‭ ‬ القائد‭ ‬المحسن‭ ‬الجواد‭:‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬محسناً‭ ‬كريماً‭ ‬جواداً،‭ ‬فقد‭ ‬اشتهر‭ ‬عنه‭ ‬إكرام‭ ‬الصحابة‭ ‬بالعطايا‭ ‬وقضاء‭ ‬حاجاتهم،‭ ‬فيروى‭ ‬عن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬قضى‭ ‬معاوية‭ ‬عن‭ ‬عائشة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬كانت‭ ‬عليها‮»‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬بريدة‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬قدم‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬على‭ ‬معاوية‭ ‬فقال‭: ‬لأجيزنك‭ ‬بجائزة‭ ‬لم‭ ‬يجز‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬قبلي،‭ ‬فأعطاه‭ ‬أربعمائة‭ ‬ألف‭ ‬ألف‮«‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬الأصمعي‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬وفد‭ ‬الحسن‭ ‬وعبدالله‭ ‬بن‭ ‬الزبير‭ ‬على‭ ‬معاوية،‭ ‬فقال‭ ‬للحسن‭: ‬مرحباً‭ ‬وأهلاً‭ ‬بابن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وأمر‭ ‬له‭ ‬بثلاثمائة‭ ‬ألف،‭ ‬وقال‭ ‬لابن‭ ‬الزبير‭: ‬مرحباً‭ ‬وأهلاً‭ ‬بابن‭ ‬عمة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وأمر‭ ‬له‭ ‬بمائة‭ ‬ألف‮»‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬مروان‭ ‬المرواني‭: ‬‮«‬بعث‭ ‬معاوية‭ ‬إلى‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بمائة‭ ‬ألف،‭ ‬فقال‭: ‬لجلسائه‭: ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬شيئاً‭ ‬فهو‭ ‬له،‭ ‬وبعث‭ ‬إلى‭ ‬الحسين‭ ‬بمائة‭ ‬ألف،‭ ‬فقسمها‭ ‬على‭ ‬جلسائه،‭ ‬وكانوا‭ ‬عشرة،‭ ‬فأصاب‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‮»‬،‭ ‬ويروى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لعبدالله‭ ‬بن‭ ‬جعفر‭ ‬على‭ ‬معاوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬ألف‭ ‬ألف،‭ ‬فاجتمع‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬دين‭ ‬خمسمائة‭ ‬ألف،‭ ‬فألح‭ ‬عليه‭ ‬غرماؤه،‭ ‬فاستنظرهم‭ ‬حتى‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬معاوية،‭ ‬فيسأله‭ ‬أن‭ ‬يسلفه‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬العطاء،‭ ‬فركب‭ ‬إليه،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬ما‭ ‬أقدمك‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬جعفر؟‭ ‬فقال‭: ‬دين‭ ‬ألح‭ ‬علي‭ ‬غرماؤه،‭ ‬فقال‭: ‬وكم‭ ‬هو‭: ‬قال‭: ‬خمسمائة‭ ‬ألف،‭ ‬فقضاها‭ ‬عنه،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬الألف‭ ‬ألف‭ ‬ستأتيك‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ (‬ينظر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭: ‬البداية‭ ‬والنهاية‭:‬11‭/‬443‭-‬446‭).‬

5‭ ‬ القائد‭ ‬الغازي‭ ‬الرائد‭:‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬غزا‭ ‬البحر،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬طور‭ ‬الأسطول‭ ‬البحري‭ ‬الإسلامي‭ ‬واهتم‭ ‬بصناعة‭ ‬السفن‭ ‬وتقوية‭ ‬الثغور‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الشام‭ ‬ومصر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أرسل‭ ‬الحملات‭ ‬البحرية‭ ‬الاستطلاعية،‭ ‬فغزا‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وفتح‭ ‬جزيرة‭ ‬قبرص‭ ‬وأرواد‭ ‬ورودس‭ ‬وكريت،‭ ‬وغزا‭ ‬مدينة‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وحاصرها‭ ‬مرتين،‭ ‬وبذلك‭ ‬نال‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬الفضل‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬ورد‭ ‬فيما‭ ‬أخرجه‭ ‬البخاري‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬أنس‭ ‬بن‭ ‬مالك‭ ‬عن‭ ‬خالته‭ ‬أم‭ ‬حرام‭ ‬بنت‭ ‬ملحان،‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬نام‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يوماً‭ ‬قريباً‭ ‬مني،‭ ‬ثم‭ ‬استيقظ‭ ‬يتبسم،‭ ‬فقلت‭: ‬ما‭ ‬أضحكك؟‭ ‬قال‭: ‬أناس‭ ‬من‭ ‬أمتي‭ ‬عرضوا‭ ‬علي‭ ‬يركبون‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬الأخضر‭ ‬كالملوك‭ ‬على‭ ‬الأسرة،‭ ‬قالت‭: ‬فادع‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجعلني‭ ‬منهم‭ ‬فدعا‭ ‬لها،‭ ‬ثم‭ ‬نام‭ ‬الثانية،‭ ‬ففعل‭ ‬مثلها،‭ ‬فقالت‭ ‬مثل‭ ‬قولها،‭ ‬فأجابها‭ ‬مثلها،‭ ‬فقالت‭: ‬ادع‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجعلني‭ ‬منهم،‭ ‬فقال‭: ‬أنت‭ ‬من‭ ‬الأولين،‭ ‬فخرجت‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬عبادة‭ ‬بن‭ ‬الصامت‭ ‬غازياً‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬ركب‭ ‬المسلمون‭ ‬البحر‭ ‬مع‭ ‬معاوية،‭ ‬فلما‭ ‬انصرفوا‭ ‬من‭ ‬غزوهم‭ ‬قافلين،‭ ‬فنزلوا‭ ‬الشام،‭ ‬فقربت‭ ‬إليها‭ ‬دابة‭ ‬لتركبها،‭ ‬فصرعتها،‭ ‬فماتت‮»‬‭ (‬البخاري‭: ‬2799‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬أخرجه‭ ‬البخاري‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬أم‭ ‬حرام‭ ‬بنت‭ ‬ملحان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬قالت‭: ‬سمعت‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أول‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬أمتي‭ ‬يغزون‭ ‬البحر‭ ‬قد‭ ‬أوجبوا،‭ ‬قالت‭ ‬أم‭ ‬حرام‭: ‬قلت‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬أنا‭ ‬فيهم؟‭ ‬قال‭: ‬أنت‭ ‬فيهم،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬أول‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬أمتي‭ ‬يغزون‭ ‬مدينة‭ ‬قيصر‭ ‬مغفور‭ ‬لهم،‭ ‬فقلت‭: ‬أنا‭ ‬فيهم‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله؟‭ ‬قال‭: ‬لا‮»‬‭ (‬البخاري‭: ‬2924‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬معاوية‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لفتح‭ ‬القسطنطينية‭ ‬لمن‭ ‬جاء‭ ‬بعده‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬المسلمين‭ ‬العظام‭.‬

وختاماً‭: ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬له‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬هادياً‭ ‬مهدياً‭ ‬واهد‭ ‬به‮»‬‭ (‬الترمذي‭: ‬3842‭)‬،‭ ‬وقوله‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬علمه‭ ‬الكتاب،‭ ‬والحساب،‭ ‬وقه‭ ‬العذاب‮»‬‭ (‬سير‭ ‬أعلام‭ ‬النبلاء‭: ‬3‭/‬124‭)‬،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭.‬‭ ‬

‭ ‬الدكتور‭ ‬ناصر‭ ‬عيسى‭ ‬البلوشي‭ ‬– كبير‭ ‬باحثين‭ ‬بدائرة‭ ‬الشؤون‭ ‬الإسلامية والعمل‭ ‬الخيري‭ ‬بدبي

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض