youth-3709884

السعادة وتحدي القلق

يوشك أن يصبح القلق عصياً على القهر، وأفضل الطرق المؤدية إلى تهدئة الأعصاب في هذه الحال هي إرخاء العضلات، فهناك يتلاشى القلق من تلقاء نفسه.

علام يقلق معظم الناس؟!

إنهم يقلقون على صحتهم! يخشون أن يكون أصابهم مرض ما. وكلما ازدادت سرعة ضربات القلب، كانت خشيتهم أكبر، وكلما كبرت خشيتهم، ازدادت ضربات قلوبهم.

ويخشون أن يكونوا قد أصابهم مرض السرطان، وهو أمر يستحق أن يخشی، ولكن الواقع أن الذين يصيبهم السرطان فعلاً لا يحسون به قبل مضي بعض الوقت.

ومما يثير العجب أن القلقين يعرفون حالتهم الصحية، في حين أن المرضى فعلاً قلما يهتمون بصحتهم.

فإذا أنبأك طبيبك أنه لا مرض عضوياً بك، اطمئن إلى قوله، واسترخِ ثم ادرس حالتك، عساك تقف على السبب الذي يسبب توتر أعصابك. وقد لا يبدو لك أن ما تعانيه ليس إلا اضطراب في أعصابك. وقد تقتنع أنك تشكو مرضاً معيناً من الأمراض، مما يتسبب فيها التوتر العصبي، فانس هذه الأمراض كلها، وانظر إلى أعصابك على أنها منشأ الألم كله، فإذا كان أبواك من ذوي الأمزجة العصبية، فعسى أن عصبية المزاج قد انتقلت إليك بالوراثة أو بفعل البيئة، ولكن لا بأس عليك في هذه الحال، فإن فلسفة ملائمة في الحياة كفيلة بأن تمكنك من التغلب على هذه العقبة.

ويقلق أكثر الناس على أحوال بلادهم، أو أحوال الدنيا عموماً، ولعلهم محقون، بعد ما لاقاه العالم من عنت وعناء خلال ربع القرن الماضي، فقد جرت الحرب العالمية الأولى وسببت عدداً من الكوارث التي لم يعرف لها مثيل في التاريخ، فمن انتشار الأوبئة إلى الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، إلى الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من منغصات.

والذي يبدو كنتيجة لهذا كله أن توتر الأعصاب بلغ مداه. ولكنه لو قدر لك أن ترتد إلى الحياة الدنيا بعد أربعة قرون أو خمسة لرأيت أن أبناء العالم مازالوا يعانون مثلما عانينا ونعاني، وما فتئوا يرزحون تحت ضغط أمثال المشكلات التي واجهتنا وتواجهنا إلى الآن!!

فلا داعي للقلق إذاً على أحوال الدنيا، مادام هذا كان حالها من قبل، وسيظل حالها من بعد!

لا غنى عن الشجاعة

كثيراً ما تطالعنا الصحف بأنباء أشخاص وجدوا عقبات الحياة أكبر من أن يذللوها، ففروا منها إلى الموت فراراً سهلاً. لو زار هؤلاء القانطون من الحياة والقلقون مصحة للأطفال العجزة، لرأوا كيف يستخلص هؤلاء الصغار البهجة والمتعة برغم عاهاتهم وآفاتهم! أو كان زاروا مستشفى لرأوا كيف يصارع مرضى السرطان أو السل! إن مثل هذه الزيارة، في رأيي، هي خير علاج للمكتئبين المتحسرين على أنفسهم.

وعلام أيضاً يقلق الناس؟

يقلقون على المستقبل! فما أكثر الذين يعيشون في المستقبل أكثر مما يعيشون في الحاضر. ولو أنهم تركوا المستقبل يتكفل بنفسه لأراحهم من توتر الأعصاب، ووفر عليهم مغبة القلق.

اضبط عواطفك

حتى الموت نفسه لا يستحق القلق! ولكنك تجد من يعكر مزاجه لأتفه الأمور، وقد رأيت سيدة عصف بها القلق حتى أصابها بصداع شديد، لأنها أخطأت خطأ هيناً! وعرفت رجلاً أوشك من فرط الغضب أن يختنق وهو يزدرد طعامه لأن ابنته الطفلة قلبت بحركة من يدها كوب الماء على المائدة عن غير عمد.

لائم بين نفسك وعملك

يحدث في بعض الأحيان أن يحس المرء أن العمل الذي يزاوله لا يناسبه، ولهذا فهو يحدو به إلى توتر الأعصاب، وانشغال البال. فإذا لم يفلح المرء في الملاءمة بين نفسه وبين ظروف عمله بتوخي الاسترخاء المناسب والحياة المتزنة، فعليه أن يبحث عن عمل آخر. على أنه ينبغي ألا يغيب عن بال أحد أن العمل “المثالي” لا وجود له. فالعمل الذي يجمع بين المرء وزملاء له في المهنة لايخلو قط من منغصات، ومشکلات، وتعقيدات. ومن ثم فأفضل ما يأخذ به المرء نفسه ألا يأخذ عمله مأخذ الجد، وأن ينسى كل ما يتعلق به بمجرد انتهاء ساعات العمل، فلا يحمل حقداً، ولا نقمة، ولا غضباً إلى اليوم التالي، فإن هذه وما يأتي في ركابها من الإحساس بالمرارة كفيلة بأن تطيح بالسلام الذهني، والذهن المشتت فريسة سهلة لتهيج الأعصاب.

والأشخاص الذين يؤدون عملهم تحت ضغط كبير، يجدر بهم آن يلجأوا إلى النوم في ساعة مبكرة كالعاشرة أو العاشرة والنصف مثلاً، وربما قبل ذلك، وأن يدأبوا على ذلك بضعة أيام حتى يصيبوا الراحة المنشودة.

والملاحظ أن بعض المدرسين أثناء تأدية عملهم تكاد أصواتهم تصل إلى “الصياح”، الأمر الذي ينم عن تزايد تعبهم العصبي، وأجدر بهؤلاء أن يضبطوا أصواتهم، لأن الصوت الهادئ أفضل ولاشك في التأثير على المستمعين، فضلاً عن أننا جميعاً ننفر بطبعنا من الصياح، وتثير إحساسنا فظاظة الصوت، وخشونة اللهجة. وكذلك يجنح المرء إلى رفع صوته كلما خاض في مناقشة، الأمر الذي يزيد من توتره، في حين كان الأولى به أن يوفر على نفسه هذا التوتر لو سيطر على صوته، وأحكم لهجته.

إن الجهاز العصبي يتجاوب مع الصوت تجاوباً مستمراً، بحيث يؤثر أحدهما في الآخر، ومن ثم فأجدر بذوي الأمزجة العصبية أن ينموا في أنفسهم القدرة على التحدث بصوت معتدل، ولهجة لطيفة.

فكر في الغير

ومن أجدى النصائح التي تقدم لذوي الأمزجة العصبية أن يحولوا أبصارهم عن أنفسهم إلى غيرهم. عرفت امرأة في منتصف العمر، وجدت السعادة كلها في العطف على فقيرين عجوزين يسكنان بجوارها. كانت تصحبهما في سيارتها إلى النزهات، وتقدم إليهما الزهور من حديقتها، والطعام من مائدتها، وتجد المتعة في قراءة علامات الغبطة والسرور المرتسمة على وجهيهما. ودأب موظف في إحدى المصالح على ابتياع قلم كل أسبوع من عاجز بائس يقف بجوار مبنى المصلحة لا ليساعد العاجز، ولكن ليساعد نفسه على اجتلاب السعادة.
وبث السعادة في قلوب الأطفال مجلبة لسعادة المرء وانشراحه. وقد وجدت كثيرات من النساء العاقرات سعادتهن المنشودة في تبني أطفال من الملاجئ والمؤسسات.

عش في حدود يومك، والعيش في حدود اليوم من أثمن النصائح التي توجه إلى المرهقة أعصابهم، فلو أننا بدأنا يومنا بإحصاء الآخرين الذين يمكن أن نجلب لهم السعادة ومقدار الخير الذي يمكن أن نسديه، لاضمحلت مشكلاتنا وتلاشت. وكما قال “توماس كارليل” : «ليست مهمتنا أن نستطلع ما يلوح باهتاً على البعد، ولكن أن ننجز مابين أيدينا. إن أكثر الناس للأسف یعيشون إما في الماضي وإما في المستقبل. إنهم لاتلهيهم عن مشكلات الأمس التي بدت لهم مستعصية على الحل ، لا تنشغل بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله. فلننشغل بيومنا هذا، فإنه وحده هو الحقيقة الواقعة، ولندع الماضي الذى ولىّ ولن يعود، ولنكف عن التفكير في المستقبل المجهول.

ابدأ الأسبوع بداية طيبة.. إن أفضل بداية تبدأ بها أسبوعك أن تجعل يوم عطلتك الأسبوعية يوماً هادئاً تقضيه في الراحة والاسترخاء. ابدأ يوم عطلتك بالإفطار مع أسرتك في جو مشرق بهيج، ثم قم برحلة خلوية، وتناول خلالها غداءك، وانس فيها كل شيء عن عملك، بل انس نفسك إطلاقاً، ويا حبذا لو خصصت جانباً من اليوم للعبادة، فإنها تسمو بالنفس على الصغائر التي تتجسم حتى نراها في أعيننا شيئاً كبيراً.

واذا عدت من عملك يوماً متعباً، فاعمد إلى حمام دافئ، وأتبعه بالراحة لمدة نصف ساعة تستلقي خلالها على فراشك، وتغمض عينيك، وتذكر الخواطر السارة المبهجة، أو اقضِ هذا الوقت في صحبة كتاب شيق، أو صحيفة، فستجد تأثير هذه “الوصفة” كتأثير السحر لا على نفسك وحسب، بل على أفراد أسرتك أيضاً.

الدكتور ممدوح مختار – استشاري الطب السلوكي

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض