طيور التجسس (5)

التجسس‭ ‬بالحيوانات خطط‭ ‬سرية‭ ‬ومآرب‭ ‬عسكرية

تكتسي‭ ‬قصص‭ ‬التجسس‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بطابع‭ ‬الإثارة‭ ‬والغموض،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الجاسوسية‭ ‬يطغى‭ ‬الحماس‭ ‬ويزيد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأمني‭ ‬لما‭ ‬يحويه‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬وفنون‭ ‬مبتكرة‭ ‬ومتطورة‭ ‬غيرت‭ ‬وجه‭ ‬البشرية‭ ‬وموازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭. ‬وتُجمع‭ ‬الكتب‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬التجسس‭ ‬والاستخبار‭ ‬نشأ‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬عندما‭ ‬أدرك‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬والحكم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬خسائر‭ ‬الحروب‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للمحاربين‭ ‬والجيوش‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬ثاني‭ ‬أقدم‭ ‬مهنة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مهامهم‭ ‬الحربية‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬خسائرهم‭ ‬ورفع‭ ‬فرص‭ ‬نصرهم‭. ‬وقد‭ ‬تطورت‭ ‬أساليب‭ ‬وأدوات‭ ‬التجسس‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وأصبح‭ ‬عنصر‭ ‬الابتكار‭ ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬مهمة‭ ‬تجسسية،‭ ‬لأن‭ ‬عنصر‭ ‬السرية‭ ‬يعد‭ ‬أمراً‭ ‬مهماً‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬البشرية‭ ‬والحيوانية‭ ‬والتقنية‭.‬
وكانت‭ ‬الجيوش‭ ‬المحاربة‭ ‬قديماً‭ ‬تعتمد‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مهامها‭ ‬العسكرية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬ومع‭ ‬تعاظم‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬قل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬ولكن‭ ‬مازال‭ ‬بعضها‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جيوش‭ ‬العالم‭. ‬ولعل‭ ‬استخدام‭ ‬الحيوانات‭ ‬لتأدية‭ ‬المهام‭ ‬التجسسية‭ ‬العسكرية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬وخطورة‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭.‬
الصقر‭ ‬‮«‬هدسون‮»‬
تتعدد‭ ‬القصص‭ ‬والروايات‭ ‬التاريخية‭ ‬والتقارير‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬التجسس،‭ ‬ففي‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭ ‬2019‭ ‬تحدثت‭ ‬تقارير‭ ‬إعلامية‭ ‬عن‭ ‬صقر‭ ‬جارح‭ ‬أثار‭ ‬الجدل‭ ‬بين‭ ‬موظفي‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬CIA،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬صباح‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬خلال‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬دوام‭ ‬موظفي‭ ‬الوكالة،‭ ‬ويقف‭ ‬على‭ ‬درج‭ ‬مقابل‭ ‬لمقر‭ ‬الاستخبارات‭ ‬ويبدأ‭ ‬بمراقبتهم‭ ‬لنحو‭ ‬ساعة‭ ‬وهم‭ ‬يضعون‭ ‬اللمسات‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬تقارير‭ ‬سرية‭ ‬لوكالة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭.‬
وتقول‭ ‬التقارير‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬ظنوا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطائر‭ ‬المريب‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬مزوداً‭ ‬بأجهزة‭ ‬للتجسس،‭ ‬ولكن‭ ‬تبين‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬صقر‭ ‬طبيعي،‭ ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مقر‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬محصن‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ويمكنه‭ ‬إحباط‭ ‬محاولات‭ ‬التجسس‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الطيور‭. ‬وقد‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬الصقر‭ ‬اسم‭ ‬هدسون‭ ‬تيمناً‭ ‬بمحلل‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭.‬
ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬توظيف‭ ‬الطيور‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬ونقل‭ ‬الرسائل‭ ‬والتجسس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬موظفي‭ ‬وكالة‭ ‬الـCIA‭ ‬للاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الصقر‭ ‬هدسون‭ ‬طائر‭ ‬تجسس‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬تثير‭ ‬الطيور‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الريبة‭ ‬لدى‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬احتجزت‭ ‬السلطات‭ ‬المصرية‭ ‬طائر‭ ‬لقلق‭ ‬للاشتباه‭ ‬فيه‭. ‬لكن‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الطائر‭ ‬بريء،‭ ‬وأن‭ ‬علماء‭ ‬فرنسيين‭ ‬وضعوا‭ ‬فيه‭ ‬أجهزة‭ ‬خاصة‭ ‬لتتبع‭ ‬حركات‭ ‬الطيور‭.‬
طيور‭ ‬التجسس
وفي‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬تثبيت‭ ‬كاميرات‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬الحمام‭ ‬الزاجل‭ ‬لتصوير‭ ‬المناطق‭ ‬المعادية‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المواقع‭ ‬مثل‭ ‬القواعد‭ ‬الجوية‭ ‬والمعسكرات‭ ‬المعادية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الغربان‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التجسس،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬تجرى‭ ‬تجارب‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الطيور‭ ‬المهاجرة‭ ‬والخفافيش‭ ‬والبوم‭ ‬والببغاوات‭ ‬وذلك‭ ‬لتطوير‭ ‬عمليات‭ ‬التجسس‭.‬
وفي‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬2019،‭ ‬كشفت‭ ‬وثائق‭ ‬نشرتها‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬قامت‭ ‬بعمليات‭ ‬تجسس‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬مستخدمة‭ ‬طيوراً‭ ‬وحيوانات‭ ‬برية‭ ‬وبحرية‭.‬
وأشارت‭ ‬الوثائق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حاولت‭ ‬إطلاق‭ ‬حمام‭ ‬محمل‭ ‬بالكاميرات‭ ‬من‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬بغرض‭ ‬التجسس،‭ ‬كما‭ ‬درست‭ ‬إطلاق‭ ‬الطيور‭ ‬من‭ ‬فتحات‭ ‬مخصصة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬السيارات‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬الحساسة‭ ‬للتجسس‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬العسكرية‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬آنذاك‭.‬
ونشر‭ ‬موقع‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬صورة‭ ‬لحمامة‭ ‬تم‭ ‬تثبيت‭ ‬كاميرا‭ ‬على‭ ‬صدرها‭ ‬تزن‭ ‬35‭ ‬غراما‭ ‬بحبل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬وزنه‭ ‬5‭ ‬غرامات،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنها‭ ‬جهزت‭ ‬للطيران‭ ‬فوق‭ ‬أماكن‭ ‬روسية‭ ‬حساسية‭.‬
حيوانات‭ ‬برية‭ ‬وبحرية
كما‭ ‬لجأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الدلافين‭ ‬والقطط‭ ‬والكلاب‭ ‬لجمع‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬عن‭ ‬“العدو”،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬حيث‭ ‬جرت‭ ‬محاولات‭ ‬لاستخدام‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المحفزات‭ ‬الكهربية‭ ‬للمخ‭ ‬لإرشاد‭ ‬الكلاب‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬مازالت‭ ‬سرية‭. ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬سابقة‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬أكوستيك‭ ‬كيتي‮»‬‭ ‬تضمنت‭ ‬زرع‭ ‬أجهزة‭ ‬تنصت‭ ‬داخل‭ ‬قط‭.‬
وبحلول‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬كانت‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬أنفقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬برامج‭ ‬لتدريب‭ ‬الحيوانات‭ ‬والطيور‭ ‬وهي‭ ‬Oxygas‭ ‬للدلافين،‭ ‬و‭ ‬Axiolite‭ ‬للطيور،‭ ‬و‭ ‬Kechel‭ ‬للقطط‭ ‬والكلاب‭.‬
وأظهرت‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬استخدام‭ ‬الدلافين‭ ‬في‭ ‬التجسس‭ ‬حيث‭ ‬تظهر‭ ‬إحدى‭ ‬الصور‭ ‬دولفيناً‭ ‬يحمل‭ ‬سترة‭ ‬بيضاء‭ ‬تم‭ ‬تثبيتها‭ ‬حول‭ ‬جسده،‭ ‬وتحمل‭ ‬جهازاً‭ ‬يستخدم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬في‭ ‬تتبع‭ ‬السفن‭ ‬واكتشاف‭ ‬الغواصات‭ ‬السوفييتية‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬التجسس‭ ‬الأمريكي‭ ‬باستخدام‭ ‬الحيوانات‭ ‬قد‭ ‬أطلق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1960‭ ‬بشكل‭ ‬تجريبي،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقه‭ ‬بعدما‭ ‬تبين‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مجد،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬وثيقة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالاختبار‭ ‬الميداني‭ ‬للبرنامج‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬للعام‭ ‬1976‭.‬
وفي‭ ‬منصف‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬2019،‭ ‬كشف‭ ‬خبراء‭ ‬بحريون‭ ‬في‭ ‬النرويج‭ ‬عن‭ ‬تحويل‭ ‬روسيا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحيتان‭ ‬إلى‭ ‬سلاح،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬كقوة‭ ‬للعمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬والتجسس،‭ ‬وتم‭ ‬الإمساك‭ ‬بحوت‭ ‬أبيض‭ ‬مزود‭ ‬بطوق‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬قرية‭ ‬‮«‬إنغا‮»‬‭ ‬النرويجية،‭ ‬بعدما‭ ‬لفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إليه‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬قوارب‭ ‬الصيد‭ ‬وحاول‭ ‬شد‭ ‬الأحبال‭ ‬الموجودة‭ ‬بها،‭ ‬ووجدت‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬جهاز‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ‮»‬‭ ‬على‭ ‬الطوق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحيط‭ ‬بالحوت‭ ‬والذي‭ ‬بدا‭ ‬ككاميرا‭ ‬أو‭ ‬سلاح،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬نفته‭ ‬موسكو‭. ‬

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض