الذخائر الموجهة بدقة

أهمية التوازن بين الذخائر الذكية وغير الذكية

شهدت‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬تطوراً‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬تصنيع‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الذخائر‭ ‬الموجهة‭ ‬بدقة‭. ‬أدى‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتزايد،‭ ‬في‭ ‬الجيوش‭ ‬الحديثة،‭ ‬عليها‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاد‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الذخائر‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية،‭ ‬نظراً‭ ‬لدقتها‭ ‬العالية‭ ‬وكفاءتها‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬الجانبية‭.‬‭ ‬

‭ ‬يثير‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬التخلي‭ ‬الكامل‭ ‬عن‭ ‬الذخائر‭ ‬غير‭ ‬الذكية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكلفة‭ ‬العالية‭ ‬للأسلحة‭ ‬الذكية‭ ‬والقيود‭ ‬التشغيلية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تواجهها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيئات‭ ‬القتالية‭. ‬تهدف‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬مزايا‭ ‬وعيوب‭ ‬كلا‭ ‬النوعين‭ ‬من‭ ‬الذخائر،‭ ‬وتحليل‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬بينهما‭ ‬لضمان‭ ‬فعالية‭ ‬عسكرية‭ ‬مستدامة‭.‬

خلفية‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬

تُعد‭ ‬الذخائر‭ ‬الموجهة‭ ‬بدقة‭ (‬Precision Guided Munitions‭) ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬عنصراً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬بفضل‭ ‬دقتها‭ ‬العالية،‭ ‬وفعاليتها‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬الأهداف،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭. ‬وقد‭ ‬تزايدت‭ ‬أهميتها‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬عندما‭ ‬أثبتت‭ ‬فعاليتها‭ ‬الفائقة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالذخائر‭ ‬التقليدية‭. ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬تدمير‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬يتطلب‭ ‬استخدام‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬غير‭ ‬الموجهة،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الجانبية،‭ ‬ويستنزف‭ ‬الموارد‭ ‬العسكرية‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬كانت‭ ‬دقة‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬محدودة،‭ ‬بسبب‭ ‬القيود‭ ‬التقنية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وفقاً‭ ‬للمؤرخ‭ ‬العسكري‭ ‬نورمان‭ ‬ديفيز،‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬Europe at War 1939–1945‭ ‬No Simple Victory‮»‬،‭ ‬احتاجت‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬108‭ ‬طائرات‭ ‬لإسقاط‭ ‬648‭ ‬قنبلة‭ ‬لضمان‭ ‬إصابة‭ ‬هدف‭ ‬محدد‭ ‬بنسبة‭ ‬96‭%. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬الهدف‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬1000‭ ‬قدم‭ ‬حوالي‭ ‬7‭% ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الثامن‭ ‬الأمريكي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭. ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬كانت‭ ‬تتطلب‭ ‬إصابة‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬طلعة‭ ‬جوية‭. ‬بينما‭ ‬تطور‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الخليج،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬طائرة‭ ‬واحدة‭ ‬تحقيق‭ ‬نفس‭ ‬النتيجة،‭ ‬بدقة‭ ‬شبه‭ ‬كاملة،‭ ‬باستخدام‭ ‬قنبلتين‭ ‬موجهتين‭ ‬بالليزر‭ (‬Laser Guided Bombs‭). ‬ووفقاً‭ ‬لأندرو‭ ‬ليبر‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬عن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬كانت‭ ‬طلعة‭ ‬جوية‭ ‬واحدة‭ ‬كافية‭ ‬لتدمير‭ ‬نحو‭ ‬16‭ ‬هدفاً‭ ‬مختلفاً،‭ ‬مما‭ ‬يبرز‭ ‬فعالية‭ ‬ودقة‭ ‬القنابل‭ ‬الموجهة‭ ‬بالليزر‭. ‬

كان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬العوامل‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬التوجيه،‭ ‬مثل‭ ‬التوجيه‭ ‬بالليزر‭ ‬والتوجيه‭ ‬بالأقمار‭ ‬الصناعية‭ (‬GPS‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬حسّن‭ ‬دقة‭ ‬الضربات‭ ‬العسكرية‭. ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سعي‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والأضرار‭ ‬الجانبية‭ ‬وتحقيق‭ ‬النتائج‭ ‬المرغوبة‭ ‬بأفضل‭ ‬الوسائل،‭ ‬كتقليل‭ ‬عدد‭ ‬الطلعات‭ ‬الجوية‭ ‬وأعداد‭ ‬الذخائر‭ ‬المطلوبة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬وإنسانية‭ ‬أخرى‭. ‬إضافة‭ ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬لقدرة‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنشآت‭ ‬الحساسة‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية،‭ ‬تحقيقاً‭ ‬لميزة‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطبيعة‭ ‬اللاتماثلية‭ ‬غير‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬عمليات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتمرد،‭ ‬تلك‭ ‬الميزة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬الجيوش‭ ‬الحديثة‭ ‬لامتلاكها‭. ‬وأبرزت‭ ‬تلك‭ ‬الطبيعة‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذخائر‭ ‬ذكية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭ ‬لتعزيز‭ ‬فعاليتها‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬العوامل‭ ‬السابقة،‭ ‬لعبت‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬دوراً‭ ‬متزايداً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية،‭ ‬حيث‭ ‬أدى‭ ‬دمج‭ ‬أنظمة‭ ‬التعلم‭ ‬الآلي‭ ‬والتحليل‭ ‬الفوري‭ ‬للبيانات‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬دقة‭ ‬الاستهداف‭ ‬وتقليل‭ ‬الأخطاء‭ ‬التشغيلية‭. ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬التقنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬المدنية‭ ‬مثل‭ ‬تقنيات‭ ‬الاستشعار‭ ‬والاتصالات،‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬كفاءة‭ ‬أنظمة‭ ‬التوجيه‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬الذخائر‭ ‬الحديثة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬المعركة‭ ‬المتغيرة،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬العسكرية‭ ‬بأقل‭ ‬خسائر‭ ‬ممكنة‭. ‬أدت‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬مجتمعة‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬الذخائر‭ ‬والأسلحة‭ ‬الذكية‭ ‬كخيار‭ ‬مفضل‭ ‬لدى‭ ‬مختلف‭ ‬الجيوش‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليفها‭.‬

تحديات‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية

رغم‭ ‬نجاح‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية،‭ ‬فإن‭ ‬الاعتماد‭ ‬الكامل‭ ‬عليها‭ ‬يواجه‭ ‬عدة‭ ‬تحديات،‭ ‬منها‭ ‬التكلفة‭ ‬العالية،‭ ‬فبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬تفوق‭ ‬تكلفة‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬نظيرتها‭ ‬التقليدية‭ ‬بكثير،‭ ‬فبينما‭ ‬تصل‭ ‬تكلفة‭ ‬القنبلة‭ ‬الموجهة‭ ‬بالليزر‭ ‬أو‭ ‬بنظام‭ ‬GPS،‭ ‬وفقاً‭ ‬لأقل‭ ‬التقديرات‭ ‬المالية،‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬فإن‭ ‬القنابل‭ ‬التقليدية‭ ‬تكلف‭ ‬جزءاً‭ ‬بسيطاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬استخدامها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬خياراً‭ ‬غير‭ ‬مفضل‭ ‬وغير‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السيناريوهات‭ ‬القتالية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬تغطية‭ ‬مساحات‭ ‬مستهدفة‭ ‬كبيرة‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ورغم‭ ‬التقدم‭ ‬الفائق‭ ‬للتقنية‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر‭ ‬الذكية،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬تقنية‭ ‬تعمل‭ ‬بكفاءة‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭% ‬دائماً،‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬الأخطاء‭ ‬البرمجية‭ ‬أو‭ ‬الأعطال‭ ‬الميكانيكية‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬فعاليتها،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬أخرى‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تستخدم‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬صواريخ‭ ‬AGM-88E Advanced Anti-Radiation Guided Missile AARGM،‭ ‬والتي‭ ‬تُعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬من‭ ‬الإصدار‭ ‬السابق‭ ‬AGM-88B High-speed Anti-Radiation Missile،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سعرها‭ ‬يزيد‭ ‬عليه‭ ‬بعشرة‭ ‬أضعاف،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬استخدامها‭ ‬مكلفاً‭ ‬للغاية‭. ‬كذلك،‭ ‬تعتمد‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأسترالية‭ (‬RAAF‭) ‬على‭ ‬الذخائر‭ ‬الموجهة‭ ‬المتطورة،‭ ‬والتي‭ ‬تتطلب‭ ‬استثمارات‭ ‬كبيرة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إنتاجها،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الصيانة‭ ‬والتحديث‭ ‬المستمرة،‭ ‬مثل‭ ‬تحديث‭ ‬البرمجيات‭ ‬وترقية‭ ‬المنصات‭ ‬الجوية‭ ‬لضمان‭ ‬تكاملها‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الذخائر‭ ‬المتقدمة‭. ‬كما‭ ‬تستثمر‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬في‭ ‬صواريخ‭ ‬Storm Shadow/SCALP‭ ‬EG،‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أغلى‭ ‬الصواريخ‭ ‬الجوالة،‭ ‬حيث‭ ‬تصل‭ ‬تكلفتها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬دولار‭ ‬للصاروخ‭ ‬الواحد،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬موازنة‭ ‬بين‭ ‬الفعالية‭ ‬التشغيلية‭ ‬والتكلفة‭ ‬المالية‭ ‬المرتفعة‭.‬

رغم‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬الاستهداف‭ ‬وتقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬الجانبية،‭ ‬فإن‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬ليست‭ ‬محصنة‭ ‬ضد‭ ‬التدابير‭ ‬المضادة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬لتعطيل‭ ‬فعاليتها‭. ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬اعتماد‭ ‬الأسلحة‭ ‬الموجهة‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬استشعار‭ ‬متقدمة‭ ‬مثل‭ ‬الليزر،‭ ‬الرادار،‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي‭ (‬GPS‭)‬،‭ ‬يجعلها‭ ‬عرضة‭ ‬لتقنيات‭ ‬التشويش‭ ‬أو‭ ‬الخداع‭ ‬الإلكتروني‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬دقتها‭ ‬أو‭ ‬تجعلها‭ ‬غير‭ ‬فعالة‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السيناريوهات‭. ‬وفي‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أفادت‭ ‬تقارير‭ ‬ميدانية‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬استخدمت‭ ‬أنظمة‭ ‬تشويش‭ ‬إلكترونية‭ ‬مثل‭ ‬R-330Zh Zhitel‭ ‬وTirada-2‭ ‬للتشويش‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬GPS‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬والصواريخ‭ ‬الموجهة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬دقة‭ ‬الضربات‭ ‬الأوكرانية‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬التحديات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتكلفة‭ ‬والاعتمادية‭ ‬والتصدي‭ ‬للوسائل‭ ‬المضادة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬تبرز‭ ‬تحديات‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬فعالية‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬الحديثة‭. ‬فمن‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬يثير‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الذخائر،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الأضرار‭ ‬الجانبية‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتمييز‭ ‬بين‭ ‬الأهداف‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مخاطر‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬تبقى‭ ‬مصدر‭ ‬قلق،‭ ‬لاحتمال‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬المستقلة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مرغوبة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬التشغيلية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬البيئية‭ ‬القاسية،‭ ‬مثل‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية‭ ‬السيئة‭ ‬والتضاريس‭ ‬المعقدة،‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬التوجيه‭ ‬والاستشعار،‭ ‬مما‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬دقة‭ ‬وفعالية‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭.‬

أهمية‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ – ‬غير‭ ‬الذكية

رغم‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬حيث‭ ‬توفر‭ ‬بعض‭ ‬المزايا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها،‭ ‬يأتي‭ ‬انخفاض‭ ‬التكلفة‭ ‬مقارنة‭ ‬بنظيراتها‭ ‬الذكية‭ ‬وسهولة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتدني‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقنيات‭ ‬تصنيع‭ ‬متطورة،‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬تلك‭ ‬المزايا‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬الذخائر‭ ‬غير‭ ‬الذكية‭ ‬أثبتت‭ ‬فعاليتها‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬فعند‭ ‬مواجهة‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المعادية،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬استخدام‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الضربات‭ ‬الواسعة‭ ‬مثل‭ ‬حصائر‭ ‬النيران‭ (‬Carpet Bombing‭)  ‬عندما‭ ‬تضطر‭ ‬القوات‭ ‬لإسقاط‭ ‬كمية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬واسعة‭ ‬بهدف‭ ‬تدمير‭ ‬جميع‭ ‬الأهداف‭ ‬داخلها‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭. ‬وفقاً‭ ‬للمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬بحثية‭ ‬بريطانية،‭ ‬تطلق‭ ‬روسيا‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬قذيفة‭ ‬يومياً،‭ ‬بينما‭ ‬تطلق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2000‭ ‬إلى‭ ‬2500‭ ‬قذيفة‭ ‬يومياً‭. ‬وهناك‭ ‬ميزة‭ ‬عدم‭ ‬اعتماد‭ ‬الأسلحة‭ ‬غير‭ ‬الذكية‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬توجيه‭ ‬حساسة،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬مقاومة‭ ‬للتعطيل‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التشويش‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أو‭ ‬الأعطال‭ ‬التقنية‭. ‬

التوجه‭ ‬نحو‭ ‬مزيج‭ ‬متوازن‭ ‬من‭ ‬الذخائر

باعتبار‭ ‬التحديات‭ ‬والمزايا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬ونظيرتها‭ ‬غير‭ ‬الذكية،‭ ‬يعتبر‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬والجمع‭ ‬بينهما‭ ‬وفقاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬توجهاً‭ ‬منطقياً‭ ‬لكافة‭ ‬الجيوش‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬تبني‭ ‬عدة‭ ‬محاور‭ ‬مثل‭ ‬تبني‭ ‬تطوير‭ ‬ذخائر‭ ‬هجينة‭ ‬منخفضة‭ ‬التكلفة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قنابل‭ ‬تقليدية‭ ‬مزودة‭ ‬بأنظمة‭ ‬توجيه‭ ‬بسيطة‭ ‬لزيادة‭ ‬دقتها‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭. ‬كما‭ ‬يتطلب‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بمخزون‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬لضمان‭ ‬توفرها‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬كثافة‭ ‬نارية‭ ‬عالية‭. ‬ويأتي‭ ‬محور‭ ‬تطوير‭ ‬العقائد‭ ‬والأساليب‭ ‬القتالية‭ ‬مكملاً‭ ‬للمحاور‭ ‬السابقة،‭ ‬فينبغي‭ ‬تحديد‭ ‬الاستخدام‭ ‬الأمثل‭ ‬لكل‭ ‬نوع‭ ‬وتبني‭ ‬استخدام‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬الضربات‭ ‬الدقيقة‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬استراتيجية،‭ ‬بينما‭ ‬تُستخدم‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬الدقة‭ ‬المطلقة‭ ‬ضرورية‭. ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬المحور‭ ‬اللوجستي،‭ ‬فعند‭ ‬إقرار‭ ‬الكميات‭ ‬من‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬المراد‭ ‬تخزينها،‭ ‬يجب‭ ‬مراعاة‭ ‬الاعتبارات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬مثل‭ ‬اشتراطات‭ ‬وسهولة‭ ‬النقل،‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬بمحاولة‭ ‬تجنب‭ ‬إضافة‭ ‬أعباء‭ ‬على‭ ‬طاقات‭ ‬النقل‭ ‬المتيسرة‭ ‬لنقل‭ ‬الذخائر‭ ‬الاعتيادية‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭. ‬ينطبق‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬اشتراطات‭ ‬وقيود‭ ‬التخزين‭ ‬والصيانة‭ ‬لكل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الذخائر،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬اجراء‭ ‬التعديلات‭ ‬المطلوبة‭ ‬فيها‭ ‬للتوافق‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬تخزين‭ ‬وصيانة‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬ضمن‭ ‬الحد‭ ‬الممكن‭ ‬الأدنى،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬جاهزية‭ ‬القوات‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬السيناريوهات‭ ‬القتالية‭ ‬بأقل‭ ‬التكاليف‭ ‬الممكنة‭.‬

وختاماً،‭ ‬أصبحت‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬عنصراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬حيث‭ ‬توفر‭ ‬دقة‭ ‬عالية‭ ‬وكفاءة‭ ‬قتالية‭ ‬متزايدة،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬حلاً‭ ‬مثالياً‭ ‬لكل‭ ‬السيناريوهات‭ ‬العسكرية‭ ‬بسبب‭ ‬تكلفتها‭ ‬العالية‭ ‬وإمكانية‭ ‬تعطيلها‭ ‬بالتدابير‭ ‬المضادة‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬والبيئات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعيق‭ ‬عمل‭ ‬الأسلحة‭ ‬الذكية‭. ‬لذا،‭ ‬فإن‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الذخائر‭ ‬الذكية‭ ‬والتقليدية‭ ‬يضمن‭ ‬مرونة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬الفعالية‭ ‬القتالية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الظروف‭.‬

إعداد‭: ‬اللواء‭ ‬المتقاعد‭/ ‬خالد‭ ‬علي‭ ‬السميطي

WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض