الموضوع الديني 622

معركة الزلاقة

شهد التاريخ عدة غزوات وحروب، كانت نتائجها حاسمة في تغيير مجراه، وسنتناول على صفحات “الجندي” بعضاً من هذه المعارك الفاصلة.

معركة الزلاقة

أول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية في العصور الوسطى، والتي تضم حالياً إسبانيا والبرتغال، وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي، استطاع فيها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائد المرابطين، يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، إلحاق هزيمة كبيرة بجيش بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة.

أسباب المعركة

وقعت المعركة بعد تردي أحوال الأندلس، نتيجة اقتتال أمرائها، وهو ما أدى إلى خضوع بعضهم إلى سلطة ألفونسو السادس ودفع الجزية له، وانتهت هذه الحالة بسقوط طليطلة بيد ألفونسو وجيشه قبل عامٍ واحد من معركة الزلاقة. على إثر ذلك، قام أهل الأندلس وأمراؤهم بإرسال سفارات ورسائل للأمير يوسف بن تاشفين تستنجده وتطلب منه الغوث والنصرة، فاستجاب لهم، وعبر البحر بجيش المرابطين لنصرة مسلمي الأندلس، وتوحد جيش الأندلس مع جيش المرابطين في جيش كبير يقوده ابن تاشفين. سار الجيش حتى وصل سهل الزلاقة، وسار إليه ألفونسو السادس بجيش كبير احتشد من أرجاء أوروبا، ودارت بين الجيشين معركة كبيرة، انتهت بانتصار المسلمين انتصاراً عظيماً.

استنجاد أهل الأندلس بالمرابطين

بلغ الأندلسيون في أواخر أيام عصر ملوك الطوائف، حالة عصيبة فرضتها عليهم سياسة أمرائهم المتمثلة في الاقتتال فيما بينهم، وخنوعهم المخزي لعدوهم، فبدأوا يبحثون عن حل لما هم عليه من تردٍ. أخذت فكرة الاستنجاد بيوسف بن تاشفين وإخوانهم المرابطين تنتشر بين الأندلسيين، وقام بعض المتحمسين لهذه الفكرة بعبور البحر والتوجه نحو مراكش ولقاء يوسف بن تاشفين، يشرحون له أحزانهم وآلامهم وما جرى لهم من ضيم وقهر بيد المسيحيين في الشمال، وكان ابن تاشفين يستقبلهم بكل حفاوة واهتمام، ويعدهم بكل خير.

وكان المعتمد ابن عباد قد اتفق مع ألفونسو على جزية يدفعها كل سنة، فأرسل ألفونسو قافلة تحتوي على خمسمائة فارس، يتزعمها وزير ألفونسو اليهودي ابن شاليب لاستلام المال، فلما وصلت السفارة أنزلهم المعتمد بظاهر إشبيلية، وأرسل إليهم المال، ولكن اليهودي رفض استلام المال وقال: «والله لا آخذ منه إلا مشحراً (ذهباً خالصاً)»، وزاد في الكلام وأساء الأدب، فبلغ المعتمد خبره، فدعا عبيده وبعض جنده، وأمرهم بالخروج لقتل وزير ألفونسو، وأسر من كان معه، ففعلوا ما أمرهم به من ذلك.

مؤتمر قرطبة

ما إن انتشر خبر قتل وزير ألفونسو، حتى أدرك الناس في الأندلس خطورة الوضع، لعلمهم بعجز ملوك الطوائف عن صد خطر الممالك المسيحية، فعُقد مؤتمر شعبي في قرطبة، اتُّفق خلاله على الاستنجاد بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فلم يتأخر ابن تاشفين عن نصرتهم، طالباً تسلم الجزيرة الخضراء، لتكون تجمعاً ومنطلقاً لجيش المسلمين في لقاء ألفونسو، ووافق المعتمد بن عباد على تسليم المدينة للمرابطين، وبذلك وافق المرابطون على العبور إلى الأندلس.

العبور إلى الأندلس

أعطى يوسف بن تاشفين أمره لخمسمائة فارس بالتجهز للعبور إلى الأندلس كمقدمة لبقية الجيش، ثم انطلقت كتائب المرابطين تجوز البحر متوجهة إلى الأندلس، تكبر وتهلل، تضم أفواجاً من الذين انضموا للمرابطين بعد دعوة ابن تاشفين للجهاد.

ولما ركب ابن تاشفين البحر متوجهاً إلى الأندلس دعا الله: «اللهم إن كنت تعلم أن جوازي هذا خيراً وصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه»، وكان ابن تاشفين قد أمر بعبور الإبل من المغرب إلى الأندلس لأغراض عسكرية، ولم يكن أهل الجزيرة الإيبيرية قد رأوا جمالاً قط، ولا كانت خيلهم قد رأت صورها ولا سمعت أصواتها، وكانت تذعر منها وتقلق، وكان هذا قصد يوسف بن تاشفين في عبورها، فلما كانت المعركة كانت خيل الإفرنج تحجم عنها.

أكملت قوة المرابطين عبورها إلى الأندلس، وحلت في الجزيرة الخضراء، وأصبحت قريبة من أرض المعركة، ولم يعد يفصلها عن القتال فاصل، أمر ابن تاشفين بتقوية حصون الجزيرة الخضراء، وشحنها بالسلاح والذخيرة والطعام، وتشديد الحراسة عليها لتكون قاعدة حصينة، ونقطة اتصال أمينة بين الأندلس والمغرب.

الاستعداد للمعركة

كان يوسف بن تاشفين على رأس الجيوش الإسلامية المتجمعة في الجزيرة الخضراء، والتي وهبها المعتمد للأمير يوسف لتكون مقراً لجنده، ومركز اتصال وإمداد للمجاهدين، وخطاً مأموناً للعودة، وكان ابن تاشفين يقول في غمرة استعدادهم للمعركة: «أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر أحد إلا أنا بنفسي».

من جهته، واصل ألفونسو وجيشه السير باتجاه سهل الزلاقة وجيش المسلمين، وكان ألفونسو يظن أنه قادر على حسم المعركة لصالحه، لما رآه من كثرة جنوده وعتاده، فكان يقول: «بهؤلاء أقاتل الإنس والجن وملائكة السماء».

تعبئة الجيشين

عسكر الجيشان الإسلامي والقشتالي كل تجاه الآخر، وكان الجيشان في حالة استنفار كبير، وانتهى المسلمون من ترتيب قواتهم، وجعلوا وحدات من الفرسان الثقيلة في المقدمة، التي كان لها دور فاعل وأساسي في سير المعركة وامتصاص زخم هجوم ألفونسو العنيف.

سير المعركة

لما تهيأ الطرفان للمعركة، وقف رجال الدين المسيحيون في صفوف جيش قشتالة يحثونهم على القتال، ووقف العلماء والفقهاء في صفوف المسلمين يحثون المجاهدين على القتال والاستشهاد.

أحسَّ ألفونسو بالنصر القادم، عندما شاهد مقاومة المعتمد تضعف أمام هجمات جيشه المتواصلة، ورأى حركة الفرار والهرب تتسع بين مسلمي الأندلس شيئاً فشيئاً، ولكن جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين كان يرابط خلف أكمة عالية، تحجبه عن أنظار عدوه، ولم يكن قد اشترك في المعركة بعد.

كان ألفونسو يدفع بجنوده في غمرة المعركة إلى الأمام، حتى استطاع أن يوقع الهزيمة بالمعتمد وجيش الأندلس، وأرغمه على التراجع على الرغم من قدوم قوة كبيرة من المرابطين لمؤازرته وغوثه، في هذا الوقت اطمأن القشتاليون إلى نهاية مرضية لهم بهزيمة جيش الأندلس والمرابطين، وانشغلوا بمواصلة تقدمهم أمام تراجع المعتمد والأندلسيين، عندها قرر يوسف بن تاشفين الدخول للمعركة، فرتب خطة تمثلت في مفاجأة العدو من جهة لا يتوقعونها، فتقدم بقواته الاحتياطية وهاجم معسكر القشتاليين، مستفيداً من هلع خيل القشتاليين من إبل ابن تاشفين التي جلبها معه من المغرب وأضرم فيه النار وأحرقه، وقتل حماته من الفرسان والرجال، وفر الباقون منهزمين نحو ألفونسو، فأقبلت عليه خيله من معسكره فارين، وابن تاشفين في أثرهم، فلما علم بما حل بمعسكره وحاميته، توقف ألفونسو عن مطاردة المعتمد بن عباد وجيش الأندلس وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك.

انتصار المسلمين

لما اشتد القتال على جيش ألفونسو ودام القتال لساعات، أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين، وكانت الضربة القاضية التي أنهت المعركة، حين أمر ابن تاشفين حرسه الخاص المكون من أربعة آلاف فارس بالنزول إلى قلب المعركة، فاستطاع أحدهم الوصول لألفونسو، وطعنه في فخذه، طعنة نافذه بقي يعرج منها طوال حياته، وأدرك ألفونسو وقادته وفرسانه أنهم يواجهون الموت، فبادر مع قليل من أصحابه واعتصموا بتل قريب من موقع المعركة، ومن ثم انسل تحت جنح الظلام منهزماً إلى قورية، وبهذا النصر انتهت معركة الزلاقة التي لم تستمر إلا يوماً واحداً. «وكان يوماً لم يسمع بمثله من يوم اليرموك والقادسية، فيا له من فتح ثبت قدم الدين بعد انزلاقها، وعادت ظلمة الحق إلى إشراقها، واعتز بها رؤساء الأندلس، فجزى الله أمير المسلمين وناصر الدين أبا يعقوب يوسف بن تاشفين أفضل الجزاء»، وعرفت هذه المعركة عند المسلمين بمعركة الزلاقة، وهو اسم السهل الذي وقعت فيه.

نتائج المعركة

بقدر ما كانت الزلاقة نصراً للمسلمين، كانت هزيمة ساحقة لمسيحيي أيبيريا، وكانت أولى نتائج الزلاقة هي إنقاذ الأندلس من حركة الاسترداد التي رفع شعارها ألفونسو السادس، وإرغام ألفونسو على رفع الحصار الذي كان مفروضاً على أمهات مدن الأندلس، أما المؤرخون الإسبان فهم يؤكدون أن هزيمة ألفونسو السادس كانت هزيمة مروعة، وأنه استطاع الفرار مع نفر قليل من أصحابه.

إعداد: نادر نايف محمد

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض