مع تسارع وتيرة التحول التكنولوجي عالمياً، تواصل دولة الإمارات الاستثمار في مجالات البحث والابتكار وريادة الأعمال لترسيخ مكانتها كدولة رائدة في التقنيات المتقدمة. وتقف في صميم هذه الرؤية الوطنية فنتشر ون، المعنية بإطلاق المشاريع وتسويق الابتكارات التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي.
تمثل فينتشر ون VentureOne الذراع التجاري وحاضنة المشاريع المتقدمة التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، أحد أهم ركائز الابتكار والتحول التقني في الامارات، إذ تعمل على تحويل الأبحاث الرائدة في معهد الابتكار التكنولوجي (TII) إلى منتجات وشركات ناشئة تسهم في خدمة القطاعات الحيوية، وعلى رأسها قطاع الدفاع.
وفي هذا الإطار، التقت مجلة الجندي السيد رضا نيدهك، الرئيس التنفيذي لـ «فينتشر ون»، للحديث عن دورها في دعم المنظومة الوطنية للابتكار، وتعزيز جاهزية الدولة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات المستقلة، والأمن السيبراني، والتقنيات الكمية، وغيرها من التقنيات المستقبلية، وأجرت معه الحوار التالي:
حدثنا عن مسيرتك المهنية وكيف تولّيت قيادة «فينتشر ون»؟
أشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لفينتشر ون، وهي ذراع إطلاق مشاريع الاستثمار التجاري التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي. نعمل على تحويل الابتكارات المتقدمة التي يطوّرها معهد الابتكار التكنولوجي إلى منتجات وشركات قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
قضيت العقد الأخير أعمل في الإمارات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وتطوير الاستراتيجيات المؤسسية، وإدارة الابتكار.
وقبل انضمامي إلى فينتشر ون، توليت منصب نائب الرئيس الأول للاستراتيجية وإدارة المحفظة في مجموعة إيدج، حيث ساهمت في تأسيس المجموعة وقيادة أكثر من 30 صفقة استحواذ، كما انضممت إلى مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة منذ مراحل تأسيسه الأولى كمستشار في مجالات احتضان التكنولوجيا والمبادرات الاستراتيجية.
ومنذ تولي قيادة “فينتشر ون” في بداية عام 2024، أطلقنا 4 شركات خاصة بالتكنولوجيا العميقة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات المستقلة، والأمن السيبراني ما بعد التشفير الكمي، وتقنيات المناخ. هدفنا هو بناء حلول تساهم في تعزيز صلابة ومرونة الدولة ودعم مكانة أبوظبي كمركز عالمي للابتكار.
كيف تسهم “فينتشر ون” في ربط الأبحاث التطبيقية في «معهد الابتكار التكنولوجي» باحتياجات الدفاع الوطني وتعزيز منظومة الابتكار الوطنية؟
تعتبر “فينتشر ون” جزءاً أساسياً من منظومة الابتكار التي أنشأها مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، والتي تخدم عدة قطاعات، وتعتمد على ثلاث ركائز رئيسية، مؤسسة أسباير (ASPIRE) التي تحدد التحديات الصناعية الواقعية، ومعهد الابتكار التكنولوجي الذي يطور الحلول التقنية، وفينتشر ون التي تقوم بتحويل هذه الحلول إلى منتجات وشركات تجارية قابلة للتوسع.
وهذا التكامل يختصر المسافة بين المختبر والسوق، ويقلل من التجزئة والتخمين في عملية الابتكار. نحن لا نبدأ من القطاع بل من المشكلة، فنبحث عن حلول عملية يمكن تحويلها إلى منتجات تخدم احتياجات محددة، سواء كانت في مجالات السلامة أو الكفاءة أو المرونة التشغيلية.
تركز مشاريعنا حالياً على الذكاء الاصطناعي، والروبوتات المستقلة، والأمن السيبراني، والتقنيات الكمية، وتقنيات المناخ. وتخدم هذه التقنيات قطاعات متنوعة مثل الدفاع، والأمن المدني، والخدمات الحكومية، والبيئة، والنقل والخدمات اللوجستية وغيرها.
وفي المجال الدفاعي تحديداً، نعمل بشكل وثيق مع مجموعة ايدج ووزارة الدفاع لتطوير تقنيات تلبي تحديات تشغيلية حقيقية وتحدث أثراً ملموساً في الميدان.
ما أبرز التقنيات التي ستعرضونها في معرض دبي للطيران 2025 وكيف ستؤثر على قطاع الدفاع؟
سنعرض في معرض دبي للطيران 2025 بعض أهم حلولنا المبتكرة التي تستهدف تطوير قدرات قطاع الدفاع، وتشمل هذه الابتكارات طائرة مسيرة ذاتية القيادة يمكنها العمل داخل المنشآت التي لا تتوفر فيها إشارات GPS بالاعتماد على تقنيات الرؤية الحاسوبية والذكاء الاصطناعي، ما يجعلها مثالية لتفتيش المستودعات والمنشآت الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك، ستتضمن معروضاتنا خدمات اختبار التوافق الكهرومغناطيسي (EMC) التي تضمن قدرة الأجهزة الإلكترونية على العمل دون تداخل أو تعارض، مع الالتزام بأعلى المعايير الدولية.
ومنصة الرادار ذي الفتحة الاصطناعية (SAR) التي توفر صوراً عالية الدقة لسطح الأرض وتحت سطحها في جميع الظروف الجوية، ليلاً ونهاراً، ما يعزز القدرات الاستخباراتية والمراقبة المتقدمة.
كما ستشارك في الحدث شركة “ستير إيه آي” (SteerAI) التابعة لنا والمتخصصة في تقنية القيادة الذاتية، حيث نتعاون معاً في رعاية إحدى مسابقات الشركات الناشئة المخصصة لتقنيات الروبوتات المستقلة.
تضم محفظتكم مشاريع مثل SteerAI وAI71 وQuantumGate، ما التقنيات التي تركزون عليها حالياً، ولماذا تعتبر أساسية لقطاع الدفاع؟
نركز على تطوير تقنيات تخدم قطاعات متعددة، من ضمنها الدفاع، من خلال تحسين الكفاءة واتخاذ القرار والأمن والسلامة.
يبقى الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى، لما له من دور محوري في تحليل كميات ضخمة من البيانات وتسريع عملية اتخاذ القرار، وهو عامل حاسم في ميادين القتال الحديثة حيث يشكل الوقت عاملاً فارقاً في النتائج.
أما الروبوتات المستقلة، فهي تمثل تحولاً نوعياً في العمليات الدفاعية. على سبيل المثال، نظام القيادة الذاتيةCreX من تطوير SteerAI، يتيح تحويل المركبات العسكرية التقليدية إلى مركبات ذاتية القيادة قادرة على العمل في تضاريس صعبة ومناطق لا تتوفر فيها إشارات GPS، ما يقلل المخاطر التي يتعرض لها الأفراد في الميدان.
ما منهجية “فينتشر ون” في التعاون مع وزارة الدفاع والقوات المسلحة والجهات الأمنية في دولة الإمارات؟
يتعامل مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة (ATRC) مع عملائه كشركاء تقنيين في جميع مراحل دورة الابتكار، بدءاً من الفكرة وحتى التطبيق العملي. فنحن نُشرك المستخدمين النهائيين منذ اليوم الأول لضمان فهمنا العميق لتحدياتهم التشغيلية، وظروف البيئة الميدانية، ومتطلبات التكامل مع الأنظمة الحالية.
نُجري مشاورات ميدانية مكثفة واختبارات عملية واسعة النطاق، وبفضل امتلاكنا الكامل للتقنيات التي نطورها، يمكننا تخصيص حلولنا وفقاً لاحتياجات كل عميل. فعلى سبيل المثال، من خلال شركتنا SteerAI، نستطيع دمج نظام القيادة الذاتية CreX مع مجموعة واسعة من المنصات الدفاعية، بدءاً من المركبات التكتيكية الخفيفة وصولاً إلى العربات المدرعة الثقيلة.
وتُعد شراكتنا مع شركة Milrem Robotics مثالاً واضحاً على هذا النهج؛ إذ عملنا معهم عن قرب لفهم تحدياتهم اللوجستية الخاصة، مثل التنقل في التضاريس الوعرة، وتنفيذ مهام المراقبة والتشغيل في المناطق النائية الخالية من إشارات الـ .GPS هذا الفهم العميق للبيئة العملياتية يوجّه كل قرار نتخذه. وعندما اتفقنا على تطوير 20 مركبة برية ذاتية القيادة، تم اختبار الأنظمة ميدانياً والتحقق من جاهزيتها لتلبية متطلبات الاستخدام الدقيقة.
ما التقنيات الناشئة التي ستحدد ملامح العقد القادم في مجال الدفاع؟ وكيف تستعد “فينتشر ون” لذلك؟
سيكون الأمن السيبراني حجر الأساس في أي منظومة دفاعية خلال السنوات المقبلة، فمع التقدم السريع في مجالي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، ستحتاج الأنظمة الأمنية الحالية إلى إعادة هيكلة كاملة، وسيكون قطاع الدفاع في طليعة القطاعات التي تتبنى حلول ما بعد التشفير الكمي لحماية بياناتها وبُناها التحتية الرقمية.
وسيستمر الذكاء الاصطناعي في التأثير على كل ما نقوم به، فالتحول المقبل لن يكون في قوة النماذج بقدر ما سيكون في كيفية توظيفها لإضافة القيمة الحقيقية. ستركز المرحلة القادمة على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف المنظومات لتعزيز القدرات البشرية وتمكين صناع القرار من أداء مهامهم بكفاءة أعلى.
أما بالنسبة للروبوتات المستقلة، فستلعب دوراً متزايد الأهمية، خاصة مع تصاعد الحاجة إلى زيادة الإنتاجية باستخدام موارد أقل. فمع تصاعد الضغوط على القوى العاملة، ستتولى الروبوتات والأنظمة الذكية المهام التكرارية والبسيطة، مما يستدعي تطوير مهارات القوى البشرية لتصبح أكثر قدرة على الإشراف والتحكم في هذه الأنظمة.
وهذا ما كان مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة يستعد له منذ فترة، فمن خلال شركتنا QuantumGate المتخصصة في الأمن السيبراني لما بعد التشفير الكمي، نطوّر حلولاً قادرة على مواجهة التهديدات المستقبلية. كما تواصل شركتنا “ستير إيه آي” المتخصصة في مجال القيادة الذاتية توسيع نطاق منتجاتها لتشمل تطبيقات جديدة. ولدينا مشاريع متقدمة في مجال الروبوتات سيتم الإعلان عنها قريباً.
ما أبرز الدروس التي تعلمتموها من المشاريع التي أطلقتموها حتى الآن؟ وما أبرز النجاحات والتحديات التي واجهتموها؟ وكيف تقيسون الأثر الحقيقي لهذه المشاريع؟
كان إطلاق 4 شركات متخصصة في التقنيات العميقة خلال 18 شهراً تحدياً كبيراً، لكنه في الوقت ذاته تجربة مجزية للغاية.
أما بالنسبة للنجاحات، فأهم عوامل النجاح كان نموذج المنظومة المتكاملة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة (ATRC)، والذي يركّز على احتياجات العملاء منذ البداية وحتى التسليم النهائي. إذ تتولى “أسباير” تحديد التحديات بالتعاون مع الجهات الحكومية والشركاء الصناعيين والمستخدمين النهائيين، ليقوم معهد الابتكار التكنولوجي (TII) بتحويلها إلى أبحاث تطبيقية، ثم تأتي فينتشر ون لتحويل أكثر التقنيات نضجاً والأكثر طلباً في السوق إلى مشاريع وشركات قابلة للتوسع التجاري.
وهذا النموذج القائم على البيانات والطلب الفعلي، هو ما يضمن أن كل مشروع أو منتج يستجيب لاحتياج واضح ومحدد، ويحقق أثراً ملموساً في العالم الواقعي.
فضلا عن ذلك، أولينا اهتماماً كبيراً بتوظيف أفضل الكفاءات العالمية ممن يشاركوننا الرؤية ذاتها. ففريقنا يضم خبراء من مؤسسات كبرى مثل Google DeepMind وMeta وAmazon وMcKinsey، يعملون على مشاريع تؤثر مباشرة على القطاعات الحيوية، كما أنهم يستطيعون رؤية ابتكاراتهم تُطبق فعلياً، وهو ما يمنحهم دافعاً قوياً للاستمرار والإبداع.
أما بالنسبة للتحديات، فأبرزها هي المرحلة الأخيرة بين الجاهزية التقنية والتطبيق العملي في السوق، حيث تفشل العديد من النماذج الأولية لأنها لم تُصمم لتتكامل بسهولة أو لتتوافق مع متطلبات السوق والتنظيمات.
لذلك نحرص في “فينتشر ون” على إشراك فرق استشارية وهندسية تعمل جنباً إلى جنب مع العملاء لتطوير حلول قابلة للتطبيق وقابلة للتوسع، مع ضمان الامتثال للمعايير المطلوبة. هذا النهج، إلى جانب دعم منظومة مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، يمكّننا من تحويل الأفكار إلى مشاريع ابتكارية قابلة للتطبيق الفعلي.
وفيما يتعلق بقياس الأثر، تعتمد فينتشر ون على عدة مؤشرات، بما في ذلك تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف، ورفع مستويات الأمان والمرونة التشغيلية، ومدى توافق المشاريع مع أولويات دولة الإمارات الاستراتيجية، خصوصاً في تعزيز القدرات التقنية الوطنية وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية.
فضلاً عن ذلك، نقيس النجاح من خلال مدى الإقبال التجاري على حلولنا. نلاحظ اليوم اهتماماً متزايداً من مختلف القطاعات بمنتجاتنا، وهو ما يعكس الدور المتنامي لـ”فينتشر ون” في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي رائد في مجال التقنيات العميقة.
هدفنا هو الحفاظ على الزخم وبناء منظومة ابتكار وطنية قوية تنتج مشاريع وشركات تقنية إماراتية قادرة على المنافسة عالمياً وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والتكنولوجية للدولة.

» حوار الجندي










