على الرغم من أن أوروبا ليست في حالة حرب بشكل مباشر، فإنها تواجه منذ عدة سنوات تراكم المخاطر والتحديات الأمنية، ومن أبرزها الحرب في أوكرانيا، والتي كانت بمثابة «نداء الاستيقاظ» الدفاعي للدول الأوروبية، وأعادت مصطلح «اقتصاد الحرب» إلى المفردات السياسية الأوروبية المتداولة. ففجأة وجدت أوروبا نفسها في حاجة إلى زيادة إنتاج الأسلحة والذخائر لدعم أوكرانيا من جانب، ولإعادة تسليح قواتها من جانب آخر، ما يتطلب زيادة كبيرة في ميزانيات جيوشها والبحث عن موارد استثنائية لميزانيات الدفاع.
عادة ما يعرف «اقتصاد الحرب» بأنه تغيير هيكلي في بنية اقتصاد الدولة من خلال مجموعة من التدابير التي تهدف لتعبئة وإعادة توزيع استخدام الموارد القومية المتاحة، بحيث يخصص الجانب الأكبر منها للإنفاق العسكري، وذلك خلال الحروب أو اقتراب حدوثها، أو عند اندلاع الأزمات، لكي يصمد اقتصادها خلال هذه الظروف الاستثنائيّة. وعادة ما يصاحب زيادة الإنفاق العسكري انخفاض الإنفاق على المشاريع التنموية والرفاه الاجتماعي. تم استخدام مصطلح «اقتصاد الحرب» لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، عندما فرضت حكومات الدول المتصارعة سلسلة شاملة من التدابير على رجال الأعمال والصناعة، لدعم المجهود الحربي، وترسانة من التدابير لتقنين الاستهلاك، وسحب بعض المنتجات، ووضع جزء كبير من الشركات والموارد تحت التصرف، لضمان توفير الوسائل التي تحتاجها الجيوش. ففي ذروة الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، استطاعت الولايات المتحدة، بمثل تلك الإجراءات، تخصيص 37 % من ناتجها المحلي الإجمالي و90 % من ميزانيتها الفيدرالية للقطاع العسكري. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، يؤكد بعض القادة الأوروبيون مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن دولهم يجب أن تتبني «اقتصاد الحرب» لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، وأن هذا يفترض تعبئة الاقتصاد لتلبية احتياجات الجيش «للتحرك بشكل أسرع وأقوى وبأقل تكلفة» في مواجهة عودة الحرب إلى أوروبا. كما دعا وزير الدولة الفرنسي السابق للشؤون الأوروبية لورانس بون ووزير الخارجية المولدوفي السابق نيكو بوبيسكو الاتحاد الأوروبي للتحرك بسرعة لتكييف اقتصاده وإطاره التنظيمي مع الواقع الجيوسياسي الجديد.
تستهدف هذه الدراسة تحليل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاد الدول الأوروبية وعلى جيوشها.
أولاً: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي
يمكن تلخيص السياسة العامة الموجهة للاقتصاد الأوروبي على إثر الحرب الروسية الأوكرانية فيما يلي:
1. تبني سياسات محفزة للنمو ومعززة للقدرة التنافسية: حيث يتعرض كل من القدرة التنافسية الاقتصادية لأوروبا وإمكانات النمو بها لضغوط شديدة. فالنمو المنخفض أو السلبي يصاحبه عادة في زيادة الإنفاق ذات الطبيعية المجتمعية مثل إعانات البطالة. وعلى النقيض من ذلك، يُوَلِّدُ زيادة النمو عائدات ضريبية إضافية. وكلما زادت قوة نمو الاقتصادات الأوروبية، زادت الموارد المتاحة لها لتسهيل المقايضة بين الإنفاق الدفاعي وفئات الإنفاق الأخرى. ولاقتصاد حرب أوروبي ناجع، تسعى الحكومات الأوروبية لخلق بيئة معززة لتحسين قدرتها التنافسية العالمية وتجنب السياسات التي تضر بالأداء الاقتصادي.
2. الحفاظ على مالية عامة قوية: وذلك من خلال سعي الدول الأوروبية إلى التوزيع الأمثل، والاستخدام الفعال للموارد، والحفاظ على التوازن بين الإيرادات والنفقات وتقليل الدين العام، الذي تفرض نسبته المرتفعة عبئاً على الميزانيات الحكومية وتحد من الحيز المالي المستقبلي. وعادة ما يرتبط ارتفاع الدين العام بزيادة الإنفاق على الخدمات المجتمعية وبتهميش الإنفاق الدفاعي، وهي حقيقة توضحها بشكل جيد أمثلة التخفيضات في الإنفاق الدفاعي في سياق الأزمة المالية وأزمة الديون السيادية بعد عام 2008 على سبيل المثال. وبما أن ارتفاع نسب الدين العام يصاحبه عادة إنفاق مرتفع على أسعار الفائدة (والذي قد يستهلك الأموال التي يمكن استخدامها على الإنفاق الدفاعي)، تسعى الدول الأوروبية للحفاظ على مالية عامة قوية ومستدامة تمكنها في ذات الوقت من زيادة الميزانية الدفاعية.
3. تقييد الإنفاق الاستهلاكي: وللتمكن من زيادة الإنفاق الدفاعي، تسعى الحكومات الأوروبية إلى سياسيات مالية عامة موحدة، تتمكن من خلالها من تفادي السياسات المالية غير الفعالة، وتقليص الوظائف الحكومية غير المهمة، والحد من الإنفاق على الخدمات المجتمعية التي باتت تمنع الحكومات من أداء وظائف أساسية لها مثل الدفاع والأمن.
ولتفادي النقاش المختزل الذي يقدم الوضع الاقتصادي الأوروبي الحالي كأنه اختيار «السلاح مقابل الزبدة»، وكمرحلة أولى لم تمرر بعد بعض الحكومات الأوروبية سياسات اجتماعية جديدة متقشفة. ولكن يبدو أن هذا لن يستمر كثيراً أمام التكاليف الناجمة عن التحول الديموغرافي في أوروبا (شيخوخة السكان المتزايدة) والتي سوف تحد من الحيز المالي في العديد من البلدان الأوروبية. لذا؛ ستحتاج حكومات أوروبا قريباً إلى تدابير سياسية قوية وحازمة لخفض تكاليف الميزانية المخصصة للخدمات المجتمعية، خصوصاً، للفئات المتقدمة في السن، على سبيل المثال، في أنظمة التقاعد لتوفير الحيز المالي المطلوب للإنفاق الدفاعي في المستقبل.
4. تعزيز التعاون الدفاعي كمنفعة عامة أوروبية: كما تسعى أوروبا للتوصل لصيغ أكثر فعالية لكيفية التعاون، بشكل أفضل، على تحسين قواها الدفاعية باعتبارها منفعة عامة أوروبية، ويوجب ذلك اتخاذ خطوات أكثر فاعلية نحو تكامل الجيوش الأوروبية لزيادة الكفاءة، فضلاً عن التعاون في شراء المعدات وإعادة تخصيص الموارد من داخل ميزانية الاتحاد الأوروبي لمصلحة صندوق الدفاع الأوروبي، والذي من شأنه أن يرسل إشارة قوية سلبية لأعداء أوروبا مثل روسيا، وإيجابية لصناعات الدفاع الأوروبية. كما أن تعزيز التعاون سيؤثر سلباً على المواطنين بشكل أقل موازنة، بزيادة الإنفاق العسكري على المستوى الوطني فقط، كما سيؤكد ذلك، من ناحية أخرى، استعداد أوروبا للتكيف مع بيئة أمنية جديدة وتعزيز التعاون الأوروبي الذي ما زال يحظى بدعم شعبي قوي.
ما سبق، يظهر هذه الفجوة بين الرؤية التاريخية لاقتصاد الحرب والوضع الحالي في أوروبا، كما يوضحها جان بيير مولني نائب مدير معهد الأبحاث الدولية والاستراتيجية (IRIS) والخبير في الشؤون العسكرية، في دراسة نشرت على الموقع الإلكتروني لوزارة القوات المسلحة الفرنسية. «إن استخدام مصطلح اقتصاد الحرب لا يعني أن الفرنسيين في حالة حرب وأن اقتصادنا بأكمله يجب أن يتحول لدعم المجهود الحربي. اقتصاد الحرب هنا يتعلق فقط بجزء من صناعاتنا التي يجب أن توفر المزيد من المواد الضرورية، وبسرعة أكبر، ومع ذلك، هذه المهمة ليست بهذه السهولة».
ثانياً: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الجيوش الأوروبية
يمكننا القول إن أهم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الجيوش الأوروبية تمثلت في زيادة الإنفاق والميزانيات العسكرية وتحديث استراتيجيات الصناعات الدفاعية الأوروبية، كما ستؤكد السطور القادمة.
1. زيادة الإنفاق والميزانيات العسكرية: مما لا شك فيه أن من أهم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية زيادة الإنفاق والميزانيات العسكرية. وفي هذا الصدد، أشار التقرير الأخير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لزيادة الإنفاق العسكري العالمي للعام التاسع على التوالي، ليصل إلى إجمالي 2443 مليار دولار ما يمثل أعلى مستوى سجله معهد ستوكهولم لأبحاث السلام على الإطلاق. وشملت هذه الزيادة جميع مناطق العالم، خصوصاً أوروبا وآسيا وأوقيانوسيا والشرق الأوسط، كما يبين الشكل التوضيحي بالأعلى.
فقد أدت الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا إلى زيادات كبيرة في الإنفاق العسكري من قبل البلدين، وحفزت زيادة واسعة النطاق في الإنفاق العسكري في جميع أنحاء أوروبا. فبلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أوروبا 588 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يزيد بنسبة 16 % على عام 2022 وبنسبة 62 % على عام 2014.
وبلغ الإنفاق العسكري في أوروبا الوسطى والغربية 407 مليارات دولار في عام 2023، بزيادة قدرها 10 في المائة على عام 2022 وبنسبة 43 في المائة على عام 2014. وبلغ إنفاق المملكة المتحدة 74.9 مليار دولار في عام 2023 بنسبة 7.9 في المائة أعلى عن عام 2022 وأعلى بنسبة 14 في المائة عن عام 2014. وبلغت الميزانية العسكرية للمملكة المتحدة 2.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. وأعلنت الحكومة البريطانية هذا العام عن خطة طويلة الأجل لرفع ميزانيتها إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2023، زاد الإنفاق العسكري لألمانيا للعام الثاني على التوالي ليصل إلى 66.8 مليار دولار مرتفعة بذلك بنسبة 9.0 في المائة وبنسبة 48 في المائة أعلى من عام 2014.
وفي أوائل عام 2022، تعهدت الحكومة الألمانية بتحقيق هدف حلف شمال الأطلسي للوصول بالميزانية العسكرية للدول الأعضاء فيه لنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025. وفي أواخر عام 2023، قامت الحكومة بمراجعة خطة الإنفاق الخاصة بها وأعلنت أنها تعتزم تحقيق هذا الهدف بداية من عام 2024، حيث بلغت الميزانية العسكرية لألمانيا العام الماضي 1.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي فرنسا تشجع الحكومة شركات التصنيع العسكري على تسريع إنتاج المعدات العسكرية لتحقيق الأهداف التي حددها قانون البرمجة العسكرية الفرنسي الجديد 2024/2030، والذي ينص على زيادة حادة في ميزانية القوات المسلحة بحلول عام 2030، باستثمارات بقيمة 413 مليار يورو.
كما بلغ الإنفاق العسكري لبولندا 31.6 مليار دولار بعد أن زاد بنسبة 75 في المائة بين عامي 2022 و2023، وهو ما مثل أكبر زيادة سنوية على الإطلاق بين الدول الأوروبية، لتصل بذلك إلى 3.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وارتفع الإنفاق العسكري لفنلندا التي انضمت لحلف شمال الأطلسي في أبريل عام 2023، بنسبة 54 في المائة ليصل بذلك إلى 7.3 مليار دولار أي 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان الارتفاع راجعاً بشكل أساسي إلى مضاعفة فنلندا إنفاقها على المشتريات ثلاث مرات في عام 2023 بهدف تحسين قدراتها العسكرية، والتي تشمل الحصول على طائرات مقاتلة من طراز F-35 وأنظمة دفاع جوي واستبدال الأسلحة التي قدمتها لأوكرانيا.
وفي عام 2023، زاد الإنفاق العسكري في أوروبا الشرقية بنسبة 31 في المائة ليصل إلى 181 مليار دولار ليصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 1990. وكان الدافع وراء الزيادة في الإنفاق هو النمو الكبير في الإنفاق العسكري الروسي والأوكراني في السنة الثانية من الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا. ونما الإنفاق العسكري في أوروبا الشرقية بنسبة 118 في المائة بين عامي 2014 و2023.
وبلغ إنفاق الاتحاد الأوروبي على مشتريات الأسلحة فقط منذ الحرب الأوكرانية الروسية قيمة 100 مليار يورو منذ عام 2022.
٢. تحديث استراتيجيات الصناعات الدفاعية الأوروبية: يبدو أن الروافع الرئيسية التي تم تحديدها لدعم تسريع نمو صناعة الدفاع الأوروبية تركزت على ما يلي: تنظيم طويل الأمد للطلب لإعطاء الفاعلين في مجال التصنيع العسكري رؤية طويلة المدى، وتحديث إجراءات الشراء لتسريع التعاقد، وتعزيز أمن الإمدادات والحد من التبعية الخارجية من خلال نقل جزء من الإنتاج لأوروبا، ودعم التصدير لجعل صناعة الدفاع الأوروبية أكثر قدرة على المنافسة، والاستثمار في التدريب المهني لتخطي التحديات المرتبطة بالموارد البشرية، فضلاً عن دعم وصول صناعة الدفاع إلى التمويل الذاتي ومن القطاع الخاص.
ومما لا شك فيه بأنه سواء في فرنسا، أو بريطانيا، أو ألمانيا، أو إيطاليا، هناك وعي متزايد أكثر من الدول الأوروبية الأخرى بالحاجة إلى دعم وازن للصناعات الدفاعية، وتجديد المخزون العسكري، وتسليم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا والاستعداد لصراع شامل محتمل. ومع ذلك، هناك مفارقة واضحة: فمن ناحية، يبدو أن الحكومات تتوقع المزيد من الاستثمار والمجازفة من الفاعلين في مجال التصنيع العسكري، حتى تتمكن من طلب المزيد من الأسلحة، في حين يتوقع هؤلاء المصنعون، من الجانب الآخر، رؤية طويلة الأجل من الحكومات (طلبات مستقبلية طويلة الأمد) قبل الاستثمار بشكل مستدام في صناعتهم العسكرية. كما أن الدعم الحكومي لتلك الصناعة ما زال محدوداً حتى في ألمانيا وفي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
كما يبدو أن التنسيق كان غائباً أو ضئيلاً بين الدول الأوروبية حول كيفية مواجهة هذه التحديات، على الرغم من أن بعض القضايا تنطوي على استثمارات تتجاوز القدرات الوطنية. على سبيل المثال، لا يوجد سوى ثلاثة موردين رئيسيين في أوروبا (في السويد وألمانيا وسويسرا) للبارود المتفجر لقذائف المدفعية. وينطبق الشيء نفسه على إنتاج بعض الأجزاء الميكانيكية والمكونات الإلكترونية للأسلحة. وهذا ما حاولت معالجته «استراتيجية الصناعة الدفاعية الأوروبية الجديدة» (EDIS) و«برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية» (EDIP)، وكلاهما قدم في 5 مارس 2024 من قبل المفوضية الأوروبية.
الخاتمة
والسعي لاقتصاد الحرب مرشح للاستمرار في الأعوام القادمة، وذلك للتمكن من تعزيز بنية الأمن الأوروبية المستقبلية؛ فالحرب في أوكرانيا تبدو مستمرة وقد يزداد التهديد الروسي لدول أوروبية أخرى بناءً على التطورات في ساحة المعركة الأوكرانية. كما قد يزيد الرئيس القادم للولايات المتحدة الضغوط على أوروبا لإنفاق المزيد على الدفاع، وقد يقلل أو يوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وهذا بلا شك سيكون له من الآثار على ميزانيات الدفاع للدول الأوروبية لعام 2025 وما بعده. ولضمان الميزة التشغيلية للقوات المسلحة في بيئة جيوسياسية متزايدة التحدي للدول الأوروبية، من المرجح أن يتزايد الإنفاق الدفاعي على المديين القصير والمتوسط، من خلال تحويل الأموال في الميزانيات الحكومية من فئات الإنفاق الأخرى خصوصاً ما يتعلق بالرعاية الاجتماعية نحو الدفاع لتلبية هدف حلف شمال الأطلسي بتخصيص 2 % لميزانية الدفاع، كما يوضحه الشكل بالأعلى.
لقد استفادت الحكومات الأوروبية المتعاقبة بشكل جيد من سياق السلام في القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب الباردة، لكنها في المقابل فشلت في التخطيط للوقت الذي ينتهي فيه هذا السياق. والآن، ليست مستعدة لزيادة الإنفاق الدفاعي بسهولة، والعديد منها تكافح بشدة للقيام بذلك.
وتحتاج أوروبا إلى إيجاد طرق اقتصادية مبتكرة لتحقيق هذه الغاية دون فقد الدعم الشعبي، في ظل موارد مالية شحيحة. وهي معادلة غير مأمونة العواقب. كما أن العديد من التقارير الدولية أظهر أن نسب الدين العام والأعباء الضريبية الإجمالية مرتفعة بالفعل في العديد من البلدان الأوروبية. وبالتالي، فإن رفع مستوى الدين الإجمالي أو العبء الضريبي من المرجح أن يفرض تكاليف اقتصادية عالية في الأمد المتوسط.
كما أن تحقيق هدف الناتو ببلوغ ميزانية 2 % لا يضمن بناء القدرات الدفاعية بالسرعة الكافية أو بالقوة الكافية للردع الدفاعي. وإذا ساءت الأوضاع الأمنية في أوروبا ووصل الإنفاق الدفاعي إلى حتى 3 % من الناتج المحلي الإجمالي أو أكثر، فإن الحكومات الأوروبية سوف تواجه ضغوطاً مجتمعية قد تؤدي لتفجير الأوضاع الداخلية. كما أن المستوى الضريبي الإجمالي في أوروبا أعلى في المتوسط بسبع نقاط مئوية من آسيا وأعلى بخمس عشرة نقطة مئوية من أمريكا. ومن الممكن أن يؤدي زيادة العبء الضريبي إلى إلحاق ضرر شديد بالنمو الاقتصادي، وبالتالي الإيرادات الحكومية الإضافية. ولذلك فإن البلدان الأوروبية ذات العبء الضريبي الأقل نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي ستجد سهولة أكثر في تلبية هدف حلف شمال الأطلسي المتمثل في 2 %.
كما أن جزءاً كبيراً من القدرة الإنتاجية والإجراءات القانونية والإدارية في أوروبا لم تتطور منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. ولو طبقت الإجراءات الحالية على حالة الحرب العالمية الثانية، ما كان للأمريكيين أن يصلوا لنورماندي في عام 1944، وما كان لجيش ديغول الحر لينطلق في عام 1941.
فقط بمرور الوقت، وفي سياق أمني لن يجد فيه جديد، يمكن أن يتحقق الطموح الأوروبي في الوصول لقدرات دفاعية قوية ومالية عامة قوية مستدامة، وأن يسيرا جنباً إلى جنب بما يعني مرحلة نستطيع تسميتها: ما بعد «تزايد الانفاق العسكري» وقبل «اقتصاد الحرب». فالحرب (التي تتخذ أشكالاً متغيرة بشكل متزايد وغامض باتت مستدامة ولا يُستثنى أحد من احتمالية وقوعها في بيئة حبلى بالصراع على البقاء. لذا يعرف كلاوزفيتز الحرب بأنها ليست إلا صراعاً بين صراعين على البقاء. ويمكننا القول إن المفاهيم الأربعة الأساسية التي تشكّل بمُجملها نظريّة الحرب عند كلاوزفيتز تبدو حاضرة بقوة في سياق عالمنا اليوم: (Chance) ،(Friction) ،(Uncertaint)
(Fog of War).●
» الأستاذ الدكتور وائل صالح (خبير في مركز تريندز للبحوث والاستشارات)